وأكثر ما أدرك على الشعراء له مجاز وتوجيه حسن، ولكن أصحاب اللغة لا ينصفونهم، وربما غلطوا عليهم وتأوّلوا غير معانيهم التي ذهبوا إليها؛ فمن ذلك قول سيبويه واستشهد ببيت في كتابه في إعراب الشيء على المعنى لا على اللفظ وأخطأ فيه:
معاوي إنّنا بشر فأسجح ... فلسنا بالجبال ولا الحديدا «١»
كذا رواه سيبويه على النصب، وزعم أن إعرابه على معنى الخبر الذي في «ليس» ، وإنما قاله الشاعر على الخفض، والشعر كله مخفوض، فما كان يضطره أن ينصب هذا البيت ويحتال على إعرابه بهذه الحيلة الضعيفة، وإنما الشعر:
معاوي إنّنا بشر فأسجح ... فلسنا بالجبال ولا الحديد
أكلتم أرضنا فجردتموها ... فهل من قائم أو من حصيد
أتطمع في الخلود إذا هلكنا ... وليس لنا ولا لك من خلود
فهبنا أمّة هلكت ضياعا ... يزيد أميرها وأبو يزيد
ونظير هذا البيت ما ذكره في كتابه أيضا واحتج به في باب النون الخفيفة:
ثبتّم ثبات الخيزرانيّ في الثّرى ... حديثا متى ما يأتك الخير ينفعا «٢»
وهذا البيت للنجاشي، وقد ذكره عمرو بن بحر الجاحظ في فخر قحطان على عدنان في شعر كله مخفوض وهو:
أيا راكبا إمّا عرضت فبلّغن ... بني عامر عنّي يزيد بن صعصع
ثبتّم ثبات الخيزراني في الثّرى ... حديثا متى ما يأتك الخير ينفع