راجعا يريد أهله، لقيه ابن عم له، فسأله عن أهله ومنزله، فقال: اعلم أنك لما خرجت وكانت لك ثلاثة أيام، وقع في بيتك الحريق. فرفع الأعرابي يديه إلى السماء، وقال: ما أحسن هذا يا رب! تأمرنا بعمارة بيتك أنت وتخرب بيوتنا.
وخرجت أعرابية إلى الحج، فلما كانت ببعض الطريق عطبت راحلتها، فرفعت يديها إلى السماء وقالت: يا رب، أخرجتني من بيتي إلى بيتك، فلا بيتي ولا بيتك! الأصمعي قال: عرضت السجون بعد هلاك الحجاج، فوجدوا فيها ثلاثة وثلاثين ألفا لم يجب على واحد منهم قتل ولا صلب؛ وفيهم أعرابي أخذ يبول في أصل سور مدينة واسط؛ فكان فيمن أطلق؛ فأنشأ يقول:
إذا ما خرجنا من مدينة واسط ... خرينا وبلنا لا نخاف عقابا
[لأعرابي في الأولاد:]
ذكر عند أعرابي الأولاد والانتفاع بهم؛ فقال: زوّجوني امرأة أولدها ولدا أعلمه الفروسية حتى يجري الرهان؛ والنزع عن القوس حتى يصيب الحدق، ورواية الشعر حتى يفحم الفحول. فزوّجوه امرأة فولدت له ابنة، فقال فيها:
قد كنت أرجو أن تكون ذكرا ... فشقّها الرّحمن شقّا منكرا
شقّا أبى الله له أن يجبرا ... مثل الذي لأمّها أو أكبرا
ثم حملت حملا آخر، فدخل عليها وهي في الطلق- وكانت تسمى ربابا- فقال:
أيا ربابي طرّقي بخير ... وطرّقي بخصية وأير «١»
ولا ترينا طرف البظير
ثم ولدت له أخرى، فهجر فراشها وكان يأتي جارة لها، فقالت فيه- وكان يكنى أبا حمزة-؛
ما لأبي حمزة لا يأتينا ... يظلّ في البيت الذي يلينا