حدث أبو محمد الشعبي الورّاق- وكان عند باب خراسان عند باب الجسر الأول- عن حماد بن إسحاق عن أبيه إسحاق بن إبراهيم بن ميمون الموصلي، قال:
بينا أنا ذات يوم عند المأمون وقد خلا وجهه وطابت نفسه، إذ قال لي: يا إسحاق، هذا يوم خلوة وطيب. فقلت: طيّب اللَّه عيش أمير المؤمنين، ودام سروره وفرحه! فقال: يا غلمان، خذوا علينا الباب وأحضروا الشراب. قال: ثم أخذ بيدي وأدخلني في مجلس غير المجالس التي كنا فيها، وإذا قد نصبت الموائد، وأصلح ما كان يحتاج إليه الحال، حتى كأنه شيء قد كان تقدّم فيه؛ قال: فأكلنا وأخذنا في الشراب، فأقبلت السّتيرات «١» من كل ناحية بضروب من الغناء وصنوف من اللهو؛ فلم نزل على ذلك إلى آخر النهار.
فلما غربت الشمس قال لي: يا إسحق، خير أيام الفتى أيام الطرب! قلت: هو واللَّه ذاك يا أمير المؤمنين. قال: فإني فكّرت في شيء فهل لك فيه؟ قلت: لا أتأخر عن رأي أمير المؤمنين أطال اللَّه بقاءه! قال: لعلنا نباكر الصبوح في غدوتنا هذه، وقد عزمت على دخلة إلى الحرم، فكن بمكانك ولا ترم «٢» ، فإني أوافيك عن قريب.
قلت: السمع والطاعة. ثم نهض إلى دار السلام، فما عرف له خبر إلى أن ذهب من الليل عامّته.
قال إسحاق: وكان المأمون من أشغف خلق اللَّه بالنساء، وأشدّهم ميلا إليهن واستهتارا بهنّ، وعلمت أن النبيذ قد غلب عليه، وأنهن قد أنسينه أمري وما كان تقدم إليّ ووعدني من رجوعه، فقلت في نفسي: هو في لذته وأنا ههنا في غير شيء، وفيّ بقية، وعندي صبية كنت قد اشتريتها؛ ونفسي متطلعة إلى افتضاضها. فقمت مسرعا عند ذكرها، فقال الخدم: على أيّ عزمت وإلى أين تريد؟ قلت: أريد الانصراف. قالوا: فإن طلبك أمير المؤمنين؟ قلت هو في سروره قد شغله الطرب.