وألعقته أمرّ من الصّاب ثم رجعت إلى نفسي باللائمة، وقلت: لم لا أصرف ذلك إلى من هو أولى بالعفو منه؟ فأتيتك يا أمير المؤمنين، لتكون في أمري ناظرا، وعليه معديا.
قال: صدقت! لا أسألك عن ذنبه والقيام بحجته. اكتبوا لها باطلاقه.
قالت: يا أمير المؤمنين؛ وأنّى لي بالرجعة وقد نفد زادي، وكلّت راحلتي؟ فأمر لها براحلة وخمسة آلاف درهم.
[وفود عكرشة بنت الأطرش على معاوية رحمه الله تعالى]
أبو بكر الهذلي عن عكرمة قال: دخلت عكرشة بنت الأطرش بن رواحة على معاوية متوكّئة على عكاز لها، فسلّمت عليه بالخلافة ثم جلست؛ فقال لها معاوية: الآن يا عكرشة صرت عندك أمير المؤمنين؟ قالت: نعم، إذ لا عليّ حيّ قال: ألست المقلّدة حمائل السيوف بصفّين، وأنت واقفة بين الصّفين تقولين: أيها الناس، عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضلّ إذا اهتديتم إن الجنة لا يرحل عنها من أوطنها، ولا يهرم من سكنها، ولا يموت من دخلها؛ فابتاعوها بدار لا يدوم نعيمها، ولا تنصرم همومها، وكونوا قوما مستبصرين في دينهم مستظهرين بالصبر على طلب حقهم؛ إن معاوية دلف «١» إليكم بعجم العرب غلف «٢» القلوب، لا يفقهون الإيمان ولا يدرون ما الحكمة؛ دعاهم بالدنيا فأجابوه، واستدعاهم إلى الباطل فلبّوه، فالله الله عباد الله في دين الله؛ إياكم والتواكل، فإن ذلك ينقض عرى الإسلام، ويطفيء نور الحق هذه بدر الصغرى، والعقبة الأخرى. يا معشر المهاجرين والأنصار، امضوا على بصيرتكم، واصبروا على عزيمتكم، فكأني بكم غدا ولقد لقيتم أهل الشام كالحمر الناهقة تصقع «٣» صقع البقر، وتروث روث العتاق.