والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحلّ حراما أو حرّم حلالا. ولا يمنعك قضاء قضيت به بالأمس ثم راجعت فيه نفسك وهديت فيه لرشدك أن ترجع عنه؛ فإن الحق قديم والرجوع إليه خير من التمادي على الباطل. الفهم الفهم فيما يتلجلج في صدرك مما لم يبلغك به كتاب الله ولا سنة نبيه صلّى الله عليه وسلّم. واعرف الأمثال والأشباه، وقس الأمور عند ذلك ثم اعمد إلى أحبّها عند الله ورسوله وأشبهها بالحق؛ واجعل للمدعي أمدا ينتهي إليه، فإن أحضر بيّنته أخذت له بحقه وإلا وجّهت عليه القضاء؛ فإن ذلك أجلى للعمى وأبلغ في العذر. والمسلمون عدول «١» بعضهم على بعض، إلا مجلودا في حدّ، أو مجرّبا عليه شهادة زور، أو ظنينا في ولاء أو قرابة أو نسب؛ فإنّ الله تولّى منكم السرائر، ودرأ «٢» عنكم بالبينات والأيمان؛ ثم إياك والتأذّي بالناس والتنكر للخصوم في مواطن الحقوق التي يوجب الله بها الأجر ويحسن بها الذخر، فإنه من تخلص نبته فيما بينه وبين الله ولو على نفسه يكفيه الله ما بينه وبين الناس، ومن تزيّن للناس بما يعلم الله خلافه منه هتك الله ستره.
[وله أيضا يوصيه]
: وكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري: أما بعد؛ فإنّ للناس نفرة عن سلطانهم؛ فاحذر أن تدركني وإيّاك عمياء مجهولة، وضغائن محمولة، وأهواء متّبعة، ودنيا مؤثرة. أقم الحدود واجلس للمظالم ولو ساعة من النهار وأخف الفسّاق واجعلهم يدا يدا ورجلا رجلا، وإذا كانت بين القبائل نائرة «٣» فنادوا يا لفلان! فإنما تلك نجوى من الشيطان، فاضربهم بالسيف حتى يفيئوا «٤» إلى أمر الله وتكون دعواتهم إلى الله والإسلام واستدم النعمة بالشكر، والطاعة بالتألّف، والمقدرة بالعفو والنّصرة بالتواضع والمحبة للناس. وبلغني أن ضبّة تنادى: يا لضبّة.
والله ما علمت أن ضبة ساق الله بها خيرا قط ولا صرف بها شرّا. فإذا جاءك كتابي