لبد أبيض، فوقّع في ثمانمائة قصة، فو اللَّه لقد أصاب فما أخطأ، وأسرع فما أبطأ؛ ثم قال لي: يا فضل، أتراني لا أحسن التدبير والسياسة، ولكني وجدت شمّ الآس، وشرب الكاس، واستلقاء من غير نعاس، أشهى إليّ من ذلك!
[أبو عيسى وأبو نواس]
قال ابن قتيبة: خرج أبو عيسى جبريل بن أبي عيسى إلى متنزه له بالقفص «١» ، ومعه الحسن بن هانىء، في آخر شعبان: فلما كان اليوم الذي أوفى به الشهر ثلاثين يوما، قيل له: إن هذا يوم شك، وبعض أهل العلم يصومه. فقال: لا عليك، ليس الشك حجة على اليقين، حدثنا أبو جعفر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته. ثم قال لابن أبي عيسى:
لو شئت لم نبرح من القفص ... نشربها حمراء كالحصّ «٢»
نسرق هذا اليوم من شهرنا ... واللَّه قد يعفو عن اللّصّ!
[أبو نواس في مجلس شراب]
وذكروا أن أبا عيسى خرج إلى القفص متنزها ومعه الحسن بن هانىء، فحمله وخلع عليه، فأقام فيها أسبوعا، ثم قال له: بحياتي صف مجلسنا والأيام كلها. فقال في ذلك:
يا طيبنا بقصور القفص مشرفة ... بها الدّساكر والأنهار تطّرد
لمّا أخذنا بها الصّهباء صافية ... كأنّها النار وسط الكأس تتقد
جاءتك من بيت خمّار بطينتها ... صفراء مثل شعاع الشمس ترتعد
وقام كالبدر مشدودا قراطقهه ... ظبي يكاد من التّهييف ينعقد «٣»
فصبّها من فم الإبريق، فانبعثت ... مثل اللسان جرى وآستمسك الجسد