أما بعد، معشر أهل مكة، فإنا سكناها حقبة، وخرجنا عنها رغبة، ولذلك كنا إذا رفعت لنا لهوة بعد لهوة «١» أخذنا أسناها، ونزلنا أعلاها؛ ثم شدخ «٢» أمر بين أمرين، فقتلنا وقتلنا؛ فو الله ما نزعنا ولا نزع عنا، حتى شرب الدم دما، وأكل اللحم لحما، وقرع العظم عظما؛ فولي رسول الله صلّى الله عليه وسلم برسالة الله إياه، واختياره له؛ ثم ولي أبو بكر لسابقته وفضله؛ ثم ولي عمر؛ ثم أجيلت قداح نزعن من شعب «٣» حول نبعة، ففاز بحظّها أصلبها وأعتقها، فكنا بعض قداحها؛ ثم شدخ أمر بين أمرين، فقتلنا وقتلنا، فوالله ما نزعنا ولا نزع عنا حتى شرب الدم دما، وأكل اللحم لحما، وقرع العظم عظما، وعاد الحرام حلالا، وأسكت كل ذي حسن عن ضرب مهنّد، عركا عركا، وعسفا عسفا، وخزا ونهسا، حتى طابوا عن حقنا نفسا، والله ما أعطوه عن هوادة، ولا رضوا فيه بالقضاء؛ أصبحوا يقولون: حقّنا غلبنا عليه، فجزيناه هذا بهذا، وهذا في هذا.
يا أهل مكة، أنفسكم أنفسكم! وسفهاءكم سفهاءكم! فإن معي سوطا نكالا، وسيفا وبالا، وكلّ منصوب على أهله. ثم نزل.
[خطبة للأحنف بن قيس]
قال بعد حمد الله والثناء عليه: يا معشر الأزد وربيعة، أنتم إخواننا في الدين وشركاؤنا في الصّهر «٤» ، وأشقّاؤنا في النسب، وجيراننا في الدار، ويدنا على العدو، والله لأزد البصرة أحبّ إلينا من تميم الكوفة، ولأزد الكوفة أحب إلينا من تميم الشام؛ فإن استشرف شنآنكم وأبي حسد صدوركم، ففي أحلامنا وأموالنا سعة لنا ولكم.
[خطبة ليوسف بن عمر]
قام خطيبا فقال: اتقوا الله عباد الله: فكم مؤمّل أملا لا يبلغه، وجامع مالا لا