قدم معاوية المدينة بعد عام الجماعة، فدخل دار عثمان بن عفان، فصاحت عائشة ابنة عثمان وبكت ونادت أباها؛ فقال معاوية: يا ابنة أخي، إن الناس أعطونا طاعة وأعطيناهم أمانا، وأظهرنا لهم حلما تحته غضب، وأظهروا لنا ذلّا تحته حقد، ومع كل إنسان سيفه ويرى موضع أصحابه، فإن نكثناهم نكثوا بنا، ولا ندري أعلينا تكون أم لنا، ولأن تكوني ابنة عمّ أمير المؤمنين، خير من أن تكوني امرأة من عرض الناس! القحذمي قال: لما قدم معاوية المدينة قال:
أيها الناس، إنّ أبا بكر رضي الله عنه لم يرد الدنيا ولم ترده، وأما عمر فأرادته الدنيا ولم يردها، وأما عثمان فنال منها ونالت منها، وأما أنا فمالت بي وملت بها، وأنا ألينها فهي أمّي وأنا ابنها، فإن لم تجدوني خيركم فأنا خير لكم. ثم نزل.
قال جويرية بن أسماء: نال بسر بن أرطأة من علي بن أبي طالب عند معاوية، وزيد بن عمر بن الخطاب جالس، فعلا بسرا ضربا حتى شجه؛ فقال معاوية: يا زيد، عمدت إلى شيخ [من] فريش سيد أهل الشام فضربته! وأقبل على بسر وقال:
تشتم عليا وهو جدّه، وأبوه الفاروق، على رءوس الناس! أفكنت تراه يصبر على شتم عليّ؟
وكانت أمّ زيد: أمّ كلثوم بنت عليّ بن أبي طالب.
ولما قدم معاوية مكة، وكان عمر قد استعمله عليها دخل على أمه هند، فقالت له: يا بني إنه قلّما ولدت حرّة مثلك، وقد استعملك هذا الرجل فاعمل بما وافقه، أحببت ذلك أم كرهته؟
ثم دخل على أبيه أبي سفيان، فقال له: يا بني، إن هؤلاء الرهط من المهاجرين سبقونا وتأخّرنا، فرفعهم سبقهم، وقصّر بنا تأخّرنا، فصرنا أتباعا وصاروا قادة؛