هذه عائشة ابنة طلحة، فقالت له: أما إذ جلوتني عليه فأحسن إليه! فقال: يا شعبي، رح العشية [الى المسجد] فرحت، فقال: يا شعبي، ما ينبغي لمن جليت عليه عائشة بنت طلحة أن ينقص عن عشرة آلاف، فأمر لي بها! وبكسوة، وقارورة غالية، فقيل للشعبي في ذلك اليوم: كيف الحال! قال: وكيف حال من صدر عن الامير ببدرة، وكسوة، وقارورة غالية، ورؤية وجه عائشة بنت طلحة.
[زواج عمرو بن حجر من بنت عوف]
وكان عمرو بن حجر ملك كندة- وهو جد امريء القيس- أراد ان يتزوج ابنة عوف بن محلّم الشيباني، الذي يقال فيه:«لا حرّ بوادي عوف» لإفراط عزه، وهي أم إياس، وكانت ذات جمال وكمال؛ فوجه إليها امرأة يقال لها عصام، لتنظر إليها وتمتحن ما بلغه عنها: فدخلت على امها امامة ابنة الحرث: فأعلمتها ما قدمت له، فأرسلت إلى ابنتها [فقالت] : أي بنية، هذه خالتك أتت إليك لتنظر إلى بعض شأنك؛ فلا تستري عنها شيئا ارادت النظر اليه، من وجه وخلق، وناطقيها فيما استنطقتك فيه. فدخلت عصام عليها، فنظرت إلى ما لم تر عينها مثله قطّ، بهجة وحسنا وجمالا، وإذا هي أكمل الناس عقلا، وأفصحهم لسانا؛ فخرجت من عندها وهي تقول:«ترك الخداع من كشف القناع» . فذهبت مثلا، ثم اقبلت إلى الحرث، فقال لها:«ما وراءك يا عصام» ؟ فأرسلها مثلا. قالت:«صرّح المخض عن الزبد» . فذهبت مثلا. قال: أخبريني: قالت أخبرك صدقا وحقا:
رأيت جبهة كالمرآة الصقيلة، يزينها شعر حالك كأذناب الخيل المضفورة، إن أرسلته خلته السلاسل، وإن مشطته قلت عناقيد كرم جلالها الوابل، ومع ذلك حاجبان كأنهما خطّا بقلم، أو سوّدا بحمم، قد تقوّسا على مثل عين العبهرة «١» التي لم يرعها قانص ولم يذرعها قسورة، بينهما أنف كحد السيف الصمقول، لم يخنس به قصر، ولم يمعن به طول، حفّت به وجنتان كالأرجوان، في بياض محض كالجمان،