قال أحمد بن محمد بن عبد ربه: قد مضى قولنا في كلام الأعراب خاصة، ونحن قائلون بعون الله وتوفيقه في الجوابات التي هي أصعب الكلام كلّه مركبا، وأعزه مطلبا، وأغمضه مذهبا، وأضيقه مسلكا؛ لأن صاحبه يعجل مناجاة الفكرة، واستعمال القريحة، يروم في بديهته نقض ما أبرم القائل في رويته، فهو كمن أخذت عليه الفجاج، وسدّت عليه المخارج، قد اعترض الأسنة، واستهدف للمرامي، لا يدري ما يقرع له فيتأهب له، ولا ما يفجأه من خصمه فيقرعه بمثله، ولا سيما إذا كان القائل قد أخذ بمجامع الكلام فقاده بذمامه بعد أن روّى فيه واحتفل، وجمع خواطره واجتهد، وترك الرأي يغبّ حتى يختمر؛ فقد كرهوا الرأي الفطير «١» ، كما كرهوا الجواب الدّبريّ «٢» ، فلا يزال في نسج الكلام واستئناسه، حتى إذا اطمأن شارده، وسكن نافره، صك به خصمه جملة واحدة ثم إذا قيل له: أجب ولا تخطيء، وأسرع ولا تبطيء، تراه يجاوب من غير أناة ولا استعداد، يطبّق المفاصل، وينفذ إلى المقاتل، كما يرمي الجندل بالجندل، ويقرع الحديد بالحديد، فيحل به عراه، وينقض به مرائره، ويكون جوابه على كلامه كسحابة لبّدت عجاجة «٣» ؛ فلا شيء أعضل من الجواب الحاضر، ولا أعز من الخصم الألد الذي يقرع صاحبه، ويصرع منازعه بقول كمثل النار في الحطب الجزل.