قال: إني صائم. فأتى عليه، ثم قال: ويلك يا شمردل! ما عندك شيء تطعمني؟ قال:
بلى والله، عندي خمس دجاجات هنديات كأنهنّ رئلان «١» النعام. قال: فأتيته بهن، فكأن يأخذ برجلي الدجاجة فيلقى عظامها نقية، حتى أتى عليهن؛ ثم قال: يا شمردل، ما عندك شيء تطعمني؟ قلت: بلى واللَّه، إن عندي حريرة «٢» كأنها قراضة الذهب.
فقال: عجل بها. فأتيته بعسّ يشيب فيه الرأس، فجعل يلاقيها بيده ويشرب؛ فلما فرغ تجشّأ، فكأنما صاح في جب، ثم قال: يا غلام، أفرغت من غذائي؟ قال: نعم قال: وما هو؟ قال: ثمانون قدرا. قال: ائتني بها قدرا قدرا. قال: فأكثر ما أكل من كل قدر ثلاث لقم، وأقلّ ما أكل لقمة؛ ثم مسح يده واستلقى على فراشه، ثم أذن للناس ووضعت المائدة وقعد فأكل مع الناس، فما أنكرت من أكله شيئا.
[نهم مزرد]
وقال الأصمعي: كنت يوما عند هارون الرشيد، فقدمت إليه فالوذجة، فقال: يا أصمعي، قلت: لبيك يا أمير المؤمنين. قال: حدثني بحديث مزرّد أخي الشماخ. قلت:
نعم يا أمير المؤمنين، إن مزردا كان رجلا جشعا نهما، وكانت أمه تؤثر عيالها بالزاد عليه؛ وكان ذلك مما يضرّ به ويحفظه؛ فذهبت يوما في بعض حقوق أهلها، وخلفت مزردا في بيتها ورحلها، فدخل الخيمة، فأخذ صاعين من دقيق، وصاعا من عجوة، وصاعا من سمن؛ فضرب بعضه ببعض فأكله، ثم أنشأ يقول:
ولما مضت أمّي تزور عيالها ... أغرت على العكم الذي كان يمنع «٣»