وتكلم ربيعة الرأي يوما فأكثر، فكأن العجب داخله، وأعرابي إلى جنبه، فأقبل على الأعرابي فقال: ما تعدّون البلاغة يا أعرابي؟ قال: قلة الكلام وإيجاز الصواب.
قال: فما تعدون العيّ؟ قال: ما كنت فيه منذ اليوم! فكأنما ألقمه حجرا.
[شبيب وأعرابي:]
شبيب بن شيبة قال: لقيت أعرابيا في طريق مكة، فقال لي: تكتب؟ قلت: نعم.
قال: ومعك دواة؟ قلت: نعم. فأخرج قطعة جراب من كمه، ثم قال: اكتب ولا تزد حرفا ولا تنقص: هذا كتاب كتبه عبد الله بن عقيل الطائي لأمته لؤلؤة: إني أعتقتك لوجه الله واقتحام العقبة، فلا سبيل لي ولا لأحد عليك إلا سبيل الولاء، والمنة عليّ وعليك من الله وحده، ونحن في الحق سواء ثم قال: اكتب شهادتك.
روي أن أعرابيا حضر مجلس ابن عباس، فسمع عنده قارئا يقرأ: وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها
«١» ؛ فقال الأعرابي: والله ما أنقذكم منها وهو يرجعكم إليها. فقال ابن عباس: خذوها من غير فقيه.
[قولهم في حسن التوقيع وحسن التشبيه]
قيل لأعرابي: ما لك لا تطيل الهجاء؟ قال: يكفيك من القلادة ما أحاط بالعنق.
وقيل لأعرابي: كم بين كذا وبلد كذا؟ قال: عمر ليلة وأديم يوم.
وقال آخر: سواد ليلة وبياض يوم.
وقيل لأعرابي: كيف كتمانك للسر؟ قال: ما صدري له إلا قبر.
[معاوية وأعرابية:]
قال معاوية لأعرابية: هل من قرى؟ قالت: نعم. قال: وما هو؟ قالت: خبز خمير، ولبن فطير، وماء نمير.