أقدامهم في صلاتهم؛ تجري دموعهم على خدودهم، يجارون «١» إلى ربهم: ربّنا ربّنا! يطلبون فكاك قلوبهم؛ وأما بالنهار فعلماء حلماء بررة أتقياء؛ كأنهم القداح. القداح:
السهام، يريد في ضمرتها- ينظر إليهم الناظر فيقول مرضى، وما بالقوم من مرض؛ ويقول: خولطوا؛ ولقد خالط القوم أمر عظيم.
[لابن عمار في الزهد:]
وقال منصور بن عمار في مجلس الزهد: إن لله عبادا جعلوا ما كتب عليهم من الموت مثالا بين أعينهم، وقطعوا الأسباب المتصلة بقلوبهم من علائق الدنيا؛ فهم أنضاء عبادته، حلفاء طاعته، قد نضحوا «٢» خدودهم بوابل دموعهم «٣» ، وافترشوا جباههم في محاريبهم، يناجون ذا الكبرياء والعظمة في فكاك رقابهم «٤» .
[عمر بن عبد العزيز في مرضه:]
ودخل قوم على عمر بن عبد العزيز يعودونه في مرضه وفيهم شاب ذابل ناحل؛ فقال له عمر: يا فتى، ما بلغ بك ما أرى؟ قال: يا أمير المؤمنين، أمراض وأسقام! قال له عمر: لتصدقنّي. قال: بلى يا أمير المؤمنين، ذقت يوما حلاوة الدنيا فوجدتها مرة عواقبها؛ فاستوى عندي حجرها وذهبها؛ وكأني أنظر إلى عرش ربنا بارزا؛ وإلى الناس يساقون إلى الجنة والنار؛ فأظمأت نهاري وأسهرت ليلي؛ وقليل كلّ ما أنا فيه في جنب ثواب الله وخوف عقابه.
وقال ابن أبي الحواري: قلت لسفيان: بلغني في قول الله تبارك وتعالى: إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ
«٥» : الذي يلقي ربه وليس فيه أحد غيره. فبكى وقال: ما سمعت منذ ثلاثين سنة أحسن من هذا التفسير.