ونصلح سلاحنا؛ ثم دعوناهم إلى الإسلام والدخول فيه، فأبعدوا منه، فسألناهم الجزية عن صغار أو الصلح، فكانت هذه أبعد؛ فأقمنا عليهم ثلاث عشرة ليلة، نتأنّاهم وتختلف رسلنا إليهم، فلما يئس منهم، قام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه، وذكر فضل الجهاد وما لصاحبه إذا صبر واحتسب، ثم نهضنا إلى عدونا وقاتلناهم أشدّ القتال يومنا ذلك، وصبر فيه الفريقان، فكانت بيننا وبينهم قتلى كثيرة، واستشهد الله فيهم رجالا من المسلمين، فبتنا وباتوا وللمسلمين دويّ بالقرآن كدويّ النحل، وبات المشركون في خمورهم وملاعبهم؛ فلما أصبحنا أخذنا مصافنا التي كنا عليها بالأمس، فزحف بعضنا على بعض، فأفرغ الله علينا صبره وأنزل علينا نصره، ففتحناها من آخر النهار، فأصبنا غنائم كثيرة، وفيئا واسعا، بلغ فيه الخمس خمسمائة ألف؛ فصفق «١» عليها مروان بن الحكم، فتركت المسلمين قد قرت أعينهم وأغناهم النفل، وأنا رسولهم إلى أمير المؤمنين أبشّره وإياكم بما فتح الله من البلاد، وأذلّ من الشّرك؛ فاحمدوا الله عباد الله على آلائه وما أحل بأعدائه من بأسه الذي يردّ عن القوم المجرمين.
ثم سكت فنهض إليه أبوه الزبير فقبل بين عينيه وقال: ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم. يا بنّي: ما زلت تنطق بلسان أبي بكر حتى صمتّ.
[خطبة للامام علي كرم الله وجهه]
جاء رجل إلى عليّ كرم الله وجهه فقال: يا أمير المؤمنين، صف لنا ربنا، لنزداد له محبة، وبه معرفة. فغضب عليّ كرّم الله وجهه، ثم نادى: الصلاة جامعة.
فاجتمع الناس إليه حتى غص المسجد بأهله؛ ثم صعد المنبر وهو مغضب متغير اللون، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم صلى على النبي محمد صلّى الله عليه وسلم، ثم قال:
والحمد لله الذي لا يفره المنع، ولا يكديه الإعطاء، بل كل معط ينقص سواه؛