مرة، فلما رأوه قال لهم هاشم: هذا صخر فحيّوه وقولوا له خيرا. وهاشم مريض من الطعنة التي طعنه معاوية، فقال: من قتل أخي؟ فسكتوا، فقال: لمن هذه الفرس التي تحتي؟ فسكتوا، فقال هاشم: هلمّ أبا حسّان إلى من يخبرك! قال: من قتل أخي؟
فقال هاشم: إذا أصبتني أو دريدا فقد أصبت ثأرك! قال فهل كفنتموه؟ قال: نعم، في بردين: أحدهما بخمس وعشرين بكرة «١» . قال: فأروني قبره. فأروه إياه، فلما رأى القبر جزع عنده، ثم قال: كأنكم قد أنكرتم ما رأيتم من جزعي، فوالله ما بتّ منذ عقلت إلا واترا أو موتورا، أو طالبا أو مطلوبا، حتى قتل معاوية، فما ذقت طعم نوم بعده!
[يوم حوزة الثاني]
قال: ثم غزاهم صخر، فلما دنا منهم مضى على الشماء، وكانت غراء محجّلة «٢» ، فسوّد غرتها وتحجيلها، فرأته بنت لهاشم، فقالت لعمها دريد: أين الشماء؟ قال: هي في بني سليم، قالت: ما أشبهها بهذه الفرس! فاستوى جالسا فقال: هذه فرس بهيم، والشماء غراء محجلة. وعاد فاضطجع، فلم يشعر حتى طعنه صخر. قال: فثاروا وتناذروا، وولى صخر وطلبته غطفان عامة يومها، وعارض دونه أبو شجرة ابو عبد العزى، وكانت أمه خنساء أخت صخر، وصخر خاله، فردّ الخيل عنه حتى أراح فرسه ونجا إلى قومه، فقال خفاف بن ندبة لما قتل معاوية: قتلني الله إن برحت من مكاني حتى أثأر به فشد على مالك سيد بني جمح فقتله، فقال في ذلك:
فإن تك خيلي قد أصيب صميمها ... فعمدا على عين تيمّمت مالكا «٣»
نصبت له علوى وقد خان صحبتي ... لأبني مجدا او لأثأر هالكا «٤»