الوسم؛ فحلت محل الأنساب، وجرت مجرى الألقاب، وجدنا الأقلام الصّحريّة أسرع في الكواغد، وأمرّ في الجلود، كما أن البحرية منها أساس في القراطيس، وألين في المعاطف، وأشدّ لتصريف الخط فيها؛ ونحن في بلد قليل القصب رديئه، وقد أحببت أن تتقدم في اختيار أقلام بحرية، وتتأنق في انتقائها قبلك، وتطلبها في مظانّها ومنابتها، من شطوط الأنهار، وأرجاء الكروم، وأن تتيمم في اختيارك منها الشديد المحص «١» ، الصلبة المقصّ، النقية الجلود، القليلة الشحوم، المكتنزة اللحوم، الضيقة الأجواف، الرزينة المحمل؛ فإنها أبقى على الكتابة، وأبعد من الجفاء، وأن تقصد بانتقائك الرّقاق القضبان، المقومات المتون، الملس المعاقد، الصافية القشور، الطويلة الأنابيب، البعيدة ما بين الكعوب، الكريمة الجواهر، المعتدلة القوام، المستحكمة يبسا وهي قائمة على أصولها، لم تعجل عن إبّان ينعها، ولم يؤخّر إلى الأوقات المخوفة عليها من خصر الشتاء «٢» ؛ وعفن الأنداء؛ فإذا استجمعت عندك أمرت بقطعها ذراعا ذراعا، قطعا رقيقا؛ ثم عبأت منها حزما فيما يصونها من الأوعية، ووجهتها مع من يؤدي الأمانة في حراستها وحفظها وإيصالها، وكتبت معه رقعة بعدّتها وأصنافها بغير تأخير ولا توان، إن شاء الله تعالى.
[قولهم في الحبر]
قال بعض الكتّاب: عطّروا دفاتر آدابكم بجيّد الحبر، فإن الأدب غواني والحبر غوالي.
ونظر جعفر بن محمد إلى فتى على ثيابه أثر المداد وهو يستره، فقال له:
لا تجزعنّ من المداد فإنه ... عطر الرجال وحلية الكتّاب