للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قولك آنفا؟ قالت: رأيت شيخا كبيرا، وأرى أمير المؤمنين أشبّ الناس وأجملهم، ولست مختارة عليه أحدا، قال: دونكها يا مسيلمة قال بديح، فنشرت عليه الكسوة والدنانير التي معي، وأريته الجواري والطّيب. قال: عافى الله ابن جعفر! أخشي ألا يكون لها عندنا نفقة وطيب وكسوة؟ فقلت: بلى، ولكنه أحبّ أن يكون معها ما تكتفي به حتى تستأنس. قال: فقبضها مسلمة، فلم تلبث عنده إلا يسيرا حتى هلكت.

قال بديح: فو الله الذي ذهب بنفس مسلمة، ما جلست معه مجلسا ولا وقفت موقفا أنازعه فيه الحديث، إلا قال: ابغني مثل فلانة. فأقول: ابغني مثل ابن جعفر.

قال: فقلت لبديح: ويلك! فما أجازه به؟ قال: قال حين دفع إليه حاجته ودينه:

لأجيزنك جائزة لو نشر لي مروان من قبره ما زدته عليها. فأمر له بمائة ألف. وايم الله إني لا أحسبه أنفق في هديته ومسيره ذلك وجاريته التي كانت عدل نفسه مائتي ألف.

[وفود الشعبي على عبد الملك بن مروان]

كتب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج بن يوسف: أن ابعث إليّ رجلا يصلح للدين والدنيا، أتخذه سميرا وجليسا وخليّا. فقال الحجاج: ما ماله إلا عامر الشّعبي.

وبعث به إليه؛ فلما دخل عليه وجده قد كبا مهتما، فقال: ما بال أمير المؤمنين؟ قال ذكرت قول زهير «١» :

كأنّي وقد جاوزت سبعين حجّة ... خلعت بها عني عذار لجامي

رمتني بنات الدهر من حيث لا أرى ... فكيف بمن يرمى وليس برامي

فلو أنني أرمى بنبل رأيتها ... ولكنّني أرمى بغير سهام

على الراحتين تارة وعلى العصا ... أنوء ثلاثا بعدهنّ قيامي «٢»

قال له الشّعبي: ليس كذلك يا أمير المؤمنين، ولكن كما قال لبيد بن ربيعة، وقد بلغ سبعين حجة: