ولكم علينا العدل؛ فأيّنا غدر فلا ذمّة له عند صاحبه، والله ما انطلقت بها ألسنتنا حتى عقدت عليها قولبنا، ولا طلبناها منكم حتى بذلناها لكم، ناجزا بناجز، ومن حذّر كمن بشّر. قال فنادوه: سمعا سمعا، فناداهم: عدلا عدلا عدلا.
[وخطبة لعتبة]
قدم كتاب معاوية إلى عتبة بمصر: إنّ قبلك قوما يطعنون على الولاة ويعيبون السلف. فخطبهم فقال:
يأهل مصر، خفّ على ألسنتكم مدح الحق ولا تفعلونه، وذمّ الباطل وأنتم تأتونه، كالحمار يحمل أسفارا أثقله حملها ولم ينفعه ثقلها، وايم الله لا أداويكم بالسيف ما صلحتم على السوط، ولا أبلغ السوط ما كفتني الدّرة، ولا أبطيء عن الأولى ما لم تسرعوا إلى الأخرى؛ فالزموا ما أمركم الله به، تستوجبوا ما فرض الله لكم علينا؛ وإياكم وقال ويقول، قبل أن يقال فعل ويفعل؛ وكونوا خير قوس سهما. فهذا اليوم الذي ليس قبله عقاب، ولا بعده عتاب.
[خطب الخوارج]
خطبة لقطري بن الفجاءة في ذمّ الدنيا
صعد قطري بن الفجاءة منبر الأزارقة- وهو أحد بني مازن بن عمرو بن تميم- فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
أمّا بعد، فإني أحذركم الدنيا، فإنها حلوة خضرة، حفّت بالشهوات، وراقت بالقليل، وتحببت بالعاجلة، وغمرت بالآمال، وتحلّت بالأماني وزيّنت بالغرور؛ لا تدوم حسرتها، ولا تؤمن فجعتها؛ غدّارة ضرارة، وحائلة زائلة، ونافدة بائدة؛ لا تعدو- إذا [هي] تناهت إلى أمنيّة أهل الرغبة فيها والرضا عنها- أن تكون كما قال الله عز وجل: كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً