العتبي قال كان هارون الرشيد يقتل أولاد فاطمة وشيعتهم. وكان مسلم بن الوليد، صريع الغواني، قد رمي عنده بالتّشيّع، فأمر بطلبه، فهرب منه، ثم أمر بطلب أنس بن شيخ كاتب البرامكة فهرب منه، ثم وجد هو ومسلم بن الوليد عند قينة ببغداد فلما أتي بهما قيل له: يا أمير المؤمنين، قد أتي بالرجلين. قال: أيّ الرجلين؟ قيل: أنس بن أبي شيخ، ومسلم بن الوليد. فقال: الحمد لله الذي أظفرني بهما! يا غلام. أحضرهما. فلما دخلا عليه نظر إلى مسلم وقد تغيّر لونه؛ فرقّ له وقال:
إيه يا مسلم، أنت القائل:
أنس الهوى ببني عليّ والحشا ... وأراه يطمح عن بني العباس
قال: بل أنا الذي أقول يا أمير المؤمنين:
أنس الهوى ببني العمومة في الحشا ... مستوحشا من سائر الإيناس
وإذا تكاملت الفضائل كنتم ... أولى بذلك يا بني العباس
قال: فعجب هارون من سرعة بديهته، وقال له بعض جلسائه: استبقه يا أمير المؤمنين فإنه من أشعر الناس، وامتحنه فسترى منه عجبا. فقال له: قل شيئا في أنس. فقال: يا أمير المؤمنين، أفرخ روعي «١» ، أفرخ الله روعك يوم الحاجة إلى ذلك، فإني لم أدخل على خليفة قط. ثم أنشأ يقول:
تلمّظ السيف من شوق إلى أنس ... فالموت يلحظ والأقدار تنتظر «٢»
فليس يبلغ منه ما يؤمّله ... حتى يؤامر فيه رأيك القدر
أمضى من الموت يعفو عند قدرته ... وليس للموت عفو حين يقتدر
قال: فأجلسه هارون وراء ظهره، لئلا يرى ما همّ به، حتى إذا فرغ من قتل أنس قال له: أنشدني أشعر شعر لك. فكلما فرغ من قصيدة قال له زد؛ حتى قال له