. فتقسّمن متاعه وزاده؛ وبقيت عنيزة لم تحمل له شيئا؛ فقال لها: يا بنت الكرام، لا بد أن تحمليني معك؛ فإني لا أطيق المشي، فحملته على غارب «٢» بعيرها، فكان يجنح إليها فيدخل رأسة في خدرها فيقبّلها، فإذا امتنعت مال حدجها «٣» ، فتقول: عقرت بعيري فانزل! ففي ذلك يقول:
[ألا ربّ يوم لي من البيض صالح ... ولا سيّما يوم بدارة جلجل]
ويوم عقرت للعذارى مطّيتي ... فيا عجبنا من رحلها المتحمّل
تقول وقد مال الغبيط بنا معا ... عقرت بعيري يا امرأ القيس فانزل «٤»
فقلت لها سيري وأرخي زمامه ... ولا تبعديني من جناك المعلّل
وكان الفرزدق أروى الناس لأخبار امرىء القيس وأشعاره، وذلك أنّ امرأ القيس رأى من أبيه جفوة، فلحق بعمه شرحبيل بن الحارث، وكان مسترضعا في بني دارم فأقام فيهم، وهم رهط الفرزدق.
[خبر دعبل وصريع الغواني]
حدثنا أبو سويد بن أبي عتاهية عن دعبل بن علي الشاعر قال: بينا أنا ذات يوم بباب الكرخ وأنا سائر، وقد احتوى الفكر على قلبي في أبيات شعر قد نطق بها اللسان من غير اعتقاد جنان، فقلت:
دموع عيني لها انبساط ... ونوم عيني به انقباض
فإذا أنا بجارية فائقة الجمال حوراء الطرف، يقصر عن نعتها الوصف؛ لها وجه زاهر، ونور باهر، فهي كما قال الشاعر:
كأنما أفرغت في قشر لؤلؤة ... في كل جارحة منها لها قمر