قال نباتة: فأتيت على الكتاب بمحضر أمير المؤمنين عبد الملك، فلما استوعبته سارقته النظر على الهيبة منه، فصادف لحظي لحظه، فقال: اقطعه ولا تعلمنّ بما كان أحدا. فلما مات عبد الملك فشا عني الخبر بعد موته.
[الحجاج وابن المنتشر في ذمي:]
محمد بن المنتشر بن الأجدع الهمداني قال: دفع إلي الحجاج رجلا ذمّيا «١» ، وأمرني بالتشديد عليه والاستخراج منه، فلما انطلقت به قال لي: يا محمد، إن لك لشرفا ودينا. إني لا أعطى على القسر شيئا، فاستأذني وارفق بي. قال: ففعلت فأدّى إليّ في أسبوع خمسمائة ألف، فبلغ ذلك الحجاج فأغضبه، فانتزعه من يدي ودفعه إلى الذي كان يتولى له العذاب، فدق يديه ورجليه ولم يعطه شيئا. قال محمد ابن المنتشر: فإني لسائر يوما في السوق، إذ صائح بي: يا محمد، فالتفتّ، فإذا أنا به معترضا على حمار مدقوق اليدين والرجلين، فخفت الحجاج إن أتيته وتذمّمت «٢» منه، فملت إليه، فقال لي: إنك وليت مني ما ولي هؤلاء، فرفقت بي وأحسنت إليّ، وإنهم صنعوا بي ما ترى، ولي خمسمائة ألف عند فلان، فخذها مكافأة لما أحسنت إليّ. فقلت: ما كنت لآخذ منك على معروفي أجرا، ولا لأرزأك «٣» على هذه الحالة شيئا! قال: فأما إذ أبيت فاسمع مني حديثا أحدّثك به، حدّثنيه بعض أهل دينك عن نبيك صلّى الله عليه وسلم: إذا رضي الله عن قوم أنزل عليهم المطر في وقته، وجعل المال في سمحائهم، واستعمل عليهم خيارهم؛ وإذا سخط على قوم أنزل عليهم المطر في غير وقته، وجعل المال في بخلائهم، واستعمل عليهم شرارهم.
فانصرفت، فما وضعت ثوبي حتى أتاني رسول الحجاج، فسرت إليه، فألفيته جالسا على فراشه والسيف مصلت بيده، فقال لي: ادن. فدنوت شيئا، ثم قال لي: ادن فدنوت شيئا، ثم قال لي الثالثة: ادن، لا أبالك! فقلت: ما بي إلى الدنوّ من حاجة،