حاد قوم سفر عن الطريق، فدفعوا إلى راهب منفرد في صومعته، فنادوه، فأشرف عليهم، فسألوه عن الطريق، فقال: ههنا. وأومأ بيده إلى السماء، فعلموا ما أراد، فقالوا: إنا سائلوك. قال: سلوا ولا تكثروا: فإن النهار لا يرجع والعمر لا يعود، والطالب حثيث! قالوا: علام الناس يوم القيامة؟ قال: على نياتهم وأعمالهم.
قالوا: إلى أين الموئل؟ قال: إلى ما قدمتم. قالوا: أوصنا. قال: تزوّدوا على قدر سفركم، فخير الزاد ما بلّغ المحل. ثم أرشدهم الجادّة وانقمع «١» .
وقال بعضهم: أتيت الشام فمررت بدير حرملة، فإذا فيه راهب كأن عينيه مزادتان «٢» ، فقلت له: ما أشدّ ما يبكيك! قال: يا مسلم، أبكي على ما فرطت فيه من عمري، وعلى يوم يمضي من أجلي لم يحسن فيه عملي! قال: ثم مررت بعد ذلك، فسألت عنه، فقيل لي إنه أسلم وغزا الروم وقتل!
[الحيري وثوبان في لبس الرهبان:]
قال أبو زيد الحيري: قلت لثوبان الراهب: ما معنى لبس الرهبان هذا السواد؟
قال: هو أشبه بلباس أهل المصائب! قلت: وكلكم معشر الرهبان قد أصيب بمصيبة؟
قال: يرحمك الله، وهل مصيبة أعظم من مصائب الذنوب على أهلها. قال أبو زيد:
فما أذكر قوله إلا أبكاني.
[آزاد مرد:]
حبيب العدوى عن موسى الأسواري قال: لما وقعت الفتنة أردت أن أحرز ديني «٣» ، فخرجت إلى الأهواز، فبلغ آزاد مرد قدومي، فبعث إليّ متاعا، فلما أردت الانصراف بلغني أنه ثقيل، فدخلت عليه، فإذا هو كالخفّاش، لم يبق منه إلا رأسه،