قليل يا بني قد صرت كأحدهم، فبع دنياك بآخرتك، ولا تبع آخرتك بدنياك. ودع القول فيما لا تعرف، والأمر فيما لا تكلّف، وأمر بالمعروف بيدك ولسانك، وانه عن المنكر بيدك ولسانك، وباين «١» من فعله، وخض الغمرات إلى الحق، ولا يأخذك في الله لومة لائم، واحفظ وصيّتي ولا تذهب عنك صفحا، فلا خير في علم لا ينفع.
واعلم أنه لا غنى لك عن حسن الارتياد «٢» مع بلاغك من الزاد، فإن أصبت من أهل الفاقة من يحمل عنك زادك فيوافيك به في معادك فاغتنمه، فإن أمامك عقبة كئودا «٣» لا يجاوزها إلا أخف الناس حملا فأجمل في الطلب، وأحسن المكتسب.
فرب طلب قد جرّ إلى حرب «٤» . وإنما المحروب من حرب دينه، والمسلوب من سلب يقينه. واعلم أنه لا غني يعدل الجنة؛ ولا فقر يعدل النار. والسّلام عليك ورحمة الله وبركاته.
[منه إلى ولده ابن الحنفية:]
وكتب إلى ابنه محمد بن الحنفية: أن تفقّه في الدين، وعوّد نفسك الصبر على المكروه، وكل نفسك في أمورك كلّها إلى الله عز وجل، فإنك تكلها إلى كهف حريز، ومانع عزيز، وأخلص المسألة لربك فإن بيده العطاء والحرمان وأكثر الاستخارة له، واعلم أنّ من كان مطيته الليل والنهار فإنه يسار به وإن كان لا يسير، فإن الله تعالى قد أبى إلا خراب الدنيا وعمارة الآخرة، فإن قدرت أن تزهد فيها زهدك كله فافعل ذلك، وإن كنت غير قابل نصيحتي إياك فاعلم علما يقينا أنك لن تبلغ أملك، ولا تعدو أجلك، فإنك في سبيل من كان قبلك، فأكرم نفسك عن كل دنيّة وإن ساقتك إلى الرغائب، فإنك لن تعتاض بما تبذل من نفسك عوضا، وإياك أن توجف «٥» بك مطايا الطمع وتقول: متى ما أخّرت نزعت، فإن هذا أهلك من هلك قبلك، وأمسك عليك لسانك، فإن تلافيك ما فرط من صمتك، أيسر عليك