ولما ظفر المأمون بأبي دلف، وكان يقطع في الجبال، أمر بضرب عنقه؛ فقال: يا أمير المؤمنين دعني أركع ركعتين. قال: افعل. فركع وحبّر أبياتا، ثم وقف بين يديه فقال:
بع بي النّاس فإنّي ... خلف ممّن تبيع
واتّخذني لك درعا ... قلصت عنه الدّرّوع «١»
وارم بي كلّ عدوّ ... فأنا السّهم السّريع
فأطلقه وولّاه تلك الناحية، فأصلحها.
[معاوية وأسير من أهل العراق:]
أتي معاوية يوم صفّين بأسير من أهل العراق، فقال: الحمد لله الذي أمكنني منك! قال: لا تقل ذلك يا معاوية، فإنها مصيبة! قال: وأي نعمة أعظم من أن أمكنني الله من رجل قتل جماعة من أصحابي في ساعة واحدة؟ اضرب عنقه يا غلام! فقال الأسير: اللهم اشهد أن معاوية لم يقتلني فيك، ولا لأنك ترضى بقتلي: وإنما يقتلني في الغلبة على حطام هذه الدنيا؛ فإن فعل فافعل به ما هو أهله، وإن لم يفعل فافعل به ما أنت أهله.
قال له: ويحك! لقد سببت فأبلغت، ودعوت فأحسنت؛ خلّيا عنه.
[مصعب بن الزبير ورجل من أصحاب المختار:]
أمر مصعب بن الزبير برجل من أصحاب المختار أن تضرب عنقه، فقال أيها الأمير، ما أقبح بك أن أقوم يوم القيامة إلى صورتك هذه الحسنة، ووجهك هذا الذي يستضاء به، فأتعلق بأطرافك وأقول: أي ربّ، سل هذا فيم قتلني؟ قال:
أطلقوه. قال: اجعل ما وهبت لي من حياتي في خفض. قال: أعطوه مائة ألف. قال