مخدّمون، كرام في مجالسهم ... وفي الرّحال إذا رافقتهم خدم
وما أصاحب من قوم فأذكرهم ... إلا يزيدهم حبا إليّ هم
[الأدب في الحديث والاستماع]
وقالت الحكماء: رأس الأدب كلّه حسن الفهم والتفهّم، والإصغاء للمتكلّم.
وذكر الشعبي قوما فقال: ما رأيت مثلهم أسدّ «١» تناوبا في مجلس، ولا أحسن فهما من محدّث.
وقال الشعبي فيما يصف به عبد الملك بن مروان: والله ما علمته إلا آخذا بثلاث، تاركا لثلاث: آخذا بحسن الحديث إذا حدّث، وبحسن الاستماع إذا حدّث، وبأيسر المؤونة إذا خولف؛ تاركا لمجاوبة اللئيم، ومماراة «٢» السفيه، ومنازعة اللجوج.
وقال بعض الحكماء لابنه: يا بنيّ، تعلم حسن الاستماع كما تتعلم حسن الحديث؛ وليعلم الناس أنك أحرص على أن تسمع منك على أن تقول؛ فاحذر أن تسرع في القول فيما يجب عنه الرجوع بالفعل، حتى يعلم الناس أنك على فعل ما لم تقل أقرب منك إلى قول ما لم تفعل.
قالوا: من حسن الأدب ألّا تغالب أحدا على كلامه، وإذا سئل غيرك فلا تجب عنه، وإذا حدّث بحديث فلا تنازعه إياه، ولا تقتحم عليه فيه، ولا تره أنك تعلمه، وإذا كلّمت صاحبك فأخذته حجتك فحسّن مخرج ذلك عليه ولا تظهر الظفر به، وتعلم حسن الاستماع، كما تعلّم حسن الكلام.
وقال الحسن البصري: حدّثوا الناس ما أقبلوا عليكم بوجوهكم.
وقال أبو عبّاد الكاتب: إذا أنكر المتكلم عين السامع فليسأله عن مقاطع حديثه،