الحمد لله مستخلص الحمد لنفسه، ومستوجبه على خلقه؛ أحمده وأستعينه؛ وأومن به وأتوكل عليه؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون. أوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله وحده، والعمل لما عنده، والتنجّز لوعده، والخوف لوعيده؛ فإنه لا يسلم إلا من اتقاه ورجاه، وعمل له وأرضاه.
فاتقوا الله عباد الله وبادروا آجالكم بأعمالكم؛ وابتاعوا ما يبقى بما يزول عنكم ويفنى، وترحلوا عن الدنيا، فقد جدّ بكم، واستعدّوا للموت فقد أظلّكم، وكونوا كقوم صيح بهم فانتبهوا، وعلموا أن الدنيا ليست لهم بدار فاستبدلوا؛ فإن الله عز وجل لم يخلقكم عبثا، ولم يترككم سدى، وما بين أحدكم وبين الجنة والنار إلا الموت أن ينزل به، وإن غاية تنقصها اللحظة وتهدمها الساعة الواحدة لجديرة بقصر المدّة، وإن غائبا يحدوه الجديدان الليل والنهار لجدير بسرعة الأوبة، وإن قادما يحل بالفوز أو الشقوة لمستحق لأفضل العدّة، فاتقى عبد ربه ونصح نفسه وقدّم توبته وغلب شهوته، فإن أجله مستور عنه، وأمله خادع له، والشيطان موكّل به يزيّن له المعصية ليركبها، ويمنّيه التوبة ليسوّفها، حتى تهجم عليه منيته أغفل ما يكون عنها، فيا لها حسرة على كل ذي غفلة أن يكون عمره عليه حجة، أو تؤدّيه أيامه إلى شقوة؛ نسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن لا تبطره نعمة، ولا تقصّر به عن طاعة ربه غفلة، ولا يحل به بعد الموت فزعة، إنه سميع الدعاء، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، فعّال لما يريد.
[خطبة المأمون يوم الأضحى]
قال بعد التكبير والتحميد: إن يومكم هذا يوم أبان الله فضله، وأوجب تشريفه، وعظّم حرمته، ووفّق له من خلقه صفوته، وابتلى فيه خليله، وفدى فيه من الذبح