ولما مات معاوية بن أبي سفيان، ويزيد غائب؛ صلى عليه الضحاك بن قيس الفهري، ثم قدم يزيد من يومه ذلك؛ فلم يقدم أحد على تعزيته حتى دخل عليه عبد الله بن همام السلولي، فقال:
اصبر يزيد فقد فارقت ذا مقة ... واشكر حباء الذي بالملك حاباكا
لا رزء أعظم في الأقوام قد علموا ... ممّا رزئت ولا عقبى كعقباكا
أصبحت راعي أهل الأرض كلّهم ... فأنت ترعاهم والله يرعاكا
وفي معاوية الباقي لنا خلف ... إذا نعيت ولا نسمع بمنعاكا
فافتتح الخطباء الكلام.
عزى شبيب بن شبة المنصور على أخيه أبي العباس فقال: جعل الله ثواب ما رزئت به لك أجرا، وأعقبك عليه صبرا، وختم ذلك لك بعافية تامة، ونعمة عامة؛ فثواب الله خير لك منه، وما عند الله خير له منك، وأحق ما صبر عليه ما ليس إلى تغييره سبيل.
وكتب إبراهيم بن إسحاق إلى بعض الخلفاء يعزّيه: إن أحق من عرف حقّ الله فيما أخذ منه، من عرف نعمته فيما أبقى عليه. يا أمير المؤمنين، إن الماضي قبلك هو الباقي لك، والباقي بعدك هو المأجور فيك، وإن النعمة على الصابرين فيما ابتلوا به أعظم منها فيما يعافون منه.
[الرشيد وعبد الملك بن صالح:]
ودخل عبد الملك بن صالح دار الرشيد، فقال له الحاجب: إن أمير المؤمنين قد أصيب الليلة بابن له وولد له آخر! فلما دخل عليه قال سرك الله يا أمير المؤمنين فيما ساءك، ولا ساءك فيما سرك، وجعل هذه بهذه، مثوبة على الصبر، وجزاء على الشكر.