تحملهم على طريقتك، ولكن افتح بابك، وسهّل حجابك، وانصر المظلوم، واقمع الظالم، وخذ الفىء والصدقات على حلها، واقسمها بالحق والعدل على أهلها، وأنا ضامن عنهم أن يأتوك ويساعدوك على صلاح الأمة.
وجاء المؤذّنون فآذنوه بالصلاة، فصلى وعاد إلى مجلسه، وطلب الرجل فلم يوجد.
[مقام الأوزاعي بين يدي المنصور]
قال الأوزاعي: دخلت عليه فقال لي: ما الذي بطأ بك عني؟
قلت: وما تريد مني يا أمير المؤمنين؟ قال: أريد الاقتباس منك.
فقلت: يا أمير المؤمنين، انظر ما تقول، فإن مكحولا حدّثني عن عطية بن بسر، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال «من بلغته عن الله نصيحة في دينه فهي رحمة من الله سيقت إليه، فإن قبلها من الله بشكر وإلا فهي حجة من الله عليه ليزداد إثما ويزداد الله عليه غضبا وإن بلغه شيء من الحق فرضي فله الرضا، وإن سخط فله السخط ومن كرهه فقد كره الله عز وجل لأن الله هو الحق المبين» .
ثم قلت: يا أمير المؤمنين، إنك تحمّلت أمانة هذه الأمة وقد عرضت على السموات والأرض فأبين أن يحملنها وأشفقن منها. وقد جاء عن جدك عبد الله بن عباس في تفسير قول الله عز وجل: لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها
«١» قال: الصغيرة: التبسم، والكبيرة: الضحك. فما ظنك بالقول والعمل؟ فأعيذك بالله يا أمير المؤمنين أن ترى أن قرابتك من رسول الله صلّى الله عليه وسلم تنفعك مع المخالفة لأمره، فقد قال صلّى الله عليه وسلم:«يا صفيّة عمّة محمد، ويا فاطمة بنت محمد، استوهبا أنفسكما من الله، فإني لا أغني عنكما من الله شيئا» . وكذلك جدّك العباس، سأل إمارة من النبي صلّى الله عليه وسلم، فقال:«أي عمّ نفس تحبيها خير لك من إمارة لا تحصيها؛ نظرا لعمه وشفقة عليه من أن يلي فيحيد عن سنّته جناح بعوضة، فلا يستطيع له نفعا ولا عنه دفعا» .