فهربت بنو عبس، وخافت أن لا تقوم بجماعة بني ذبيان، واتبعوهم حتى لحقوهم، فقالوا: التفاني أو تقيدونا «١» . فأشار قيس بن زهير على الربيع بن زياد أن لا بناجزوهم، وأن يعطوهم رهائن من أبنائهم حتى ينظروا في أمرهم، فتراضوا أن تكون رهنهم عند سبيع بن عمرو، أحد بني ثعلبة بن سعد بن ذبيان، فدفعوا إليه ثمانية من الصبيان وانصرفوا وتكافّ الناس، وكان رأي الربيع مناجزتهم «٢» فصرفه قيس عن ذلك، فقال الربيع:
أقول ولم أملك لقيس نصيحة ... فقد حشّ جاني الحرب نارا تضرّم «٣»
فمكث رهنهم عند سبيع بن عمرو حتى حضرته الوفاة، فقال لابنه مالك بن سبيع: إن عندك مكرمة لا تبيد إن أنت حفظت هؤلاء الأغيلمة، فكأني بك لو متّ أتاك خالك حذيفة بن بدر فعصر «٤» لك عينيه وقال: هلك سيدنا! ثم خدعك عنهم حتى تدفعهم إليه فيقتلهم، فلا تشرف بعدها أبدا، فإن خفت ذلك فاذهب بهم إلى قومهم. فلما هلك سبيع أطاف حذيفة بابنه مالك وخدعه حتى دفعهم إليه، فأتى بهم اليعمرية، فجعل يبرز كل يوم غلاما فينصبه غرضا، ويقول: ناد أباك! فينادي أباه حتى يقتله.
[يوم اليعمرية: لعبس على ذبيان]
فلما بلغ ذلك من فعل حذيفة بني عبس اتوهم باليعمريّة، فلقوهم بالحرّة- حرة اليعمرية- فقتلوا منهم اثني عشر رجلا، منهم مالك بن سبيع الذي رمى بالغلمة إلى حذيفة، وأخوه يزيد بن سبيع، وعامر بن لوذان، والحرث بن زيد، وهرم بن ضمضم أخو حصين. ويقال ليوم اليعمرية: يوم نفر، لأن بينهما أقل من نصف يوم.