مائية البلغم، فحدث لذلك ما يحدث من اللهب عند مماسّة رطوبة الماء من الاشتعال؛ فخذ ماء الرمان فدق فيه إهليلجة «١» سوداء تنهضك مجلسا أو مجلسين، ويسكن ذلك التوقد إن شاء الله.
فلما كان من أمرهم ما كان، تلطّف منكة حتى دخل الحبس، فوجد يحيى قاعدا على لبد، والفضل بين يديه يخدمه، فاستعبر منكة باكيا، وقال: كنت ناديت لو أسرعت الإجابة. قال له يحيى: أتراك كنت علمت من ذلك شيئا جهلته؟ قال: كلا كان الرجاء للسلامة بالبراءة من الذنب أغلب من الشّفق «٢» ، وكانت مزايلة القدر الخطير عنا أقل ما تنقض تنهض به التّهمة، فقد كانت نقمة أرجو أن يكون أوّلها صبرا، وآخرها أجرا. قال: فما تقول في هذا الداء؟ قال: منكة: ما أرى له دواء أنفع من الصبر، ولو كان يفدى بمال أو بمفارقة عضو كان ذلك مما يجب. لك. قال يحيى: قد شكرت لك ما ذكرت، فإن أمكنك تعاهدنا فافعل. قال منكة: لو أمكنني تخليف الروح عندك ما بخلت به، فإنما كانت الأيام تحسن بسلامتك.
وكتب يحيى بن خالد في الحبس إلى هارون الرشيد:
[من يحيى في حبسه إلى الرشيد:]
لأمير المؤمنين، وخليفة المهدّيين، وإمام المسلمين، وخليفة رب العالمين، من عبد أسلمته ذنوبه، وأوبقته «٣» عيوبه، وخذله شقيقه، ورفضه صديقه، ومال به الزمان، ونزل به الحدثان «٤» ، [فحلّ في الضّيق بعد السعة] وعالج البؤس بعد الدّعة «٥» وافترش السخط بعد الرضا، واكتحل السهاد بعد الهجود «٦» ، ساعته شهر، وليلته