يغنيهم؟ قالوا: بالشعر. قال: فكيف يقول؟ فقال له فتى من تلاميذه: يقول:
أطوّف بالبيت مع من يطوف ... وأرفع من مئزري المسبل
قال: بارك الله عليه، ما أحسن ما قال! قال: ثم ماذا؟ قال:
وأسجد بالليل حتى الصباح ... وأتلوا من المحكم المنزل
قال: وأحسن أيضا، أحسن الله إليه، ثم ماذا؟ قال:
عسى فارج الهمّ عن يوسف ... يسخّر لي ربّة المحمل
قال: أمسك! أمسك! أفسد آخرا ما أصلح أوّلا! ألا ترى سفيان بن عيينة رحمه الله حسّن الحسن من قوله وقبّح القبيح؟.
وكره الغناء قوم على طريق الزهد في الدنيا ولذاتها، كما كره بعضهم الملاذّ ولبس العباءة، وكره الحوّاريّ «١» ، وأكل الكشكار، وترك البرّ وأكل الشعير، لا على طريق التحريم، فإنّ ذلك وجه حسن ومذهب جميل؛ فإنما الحلال ما أحل الله والحرام ما حرّم الله. يقول الله تعالى وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ، إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ
«٢» .
وقد يكون الرجل أيضا جاهلا بالغناء او متجاهلا به، فلا يأمر به ولا ينكره.
[للحسن البصري]
قال رجل للحسن البصري: ما تقول في الغناء يا أبا سعيد؟ قال: نعم العون الغناء على طاعة الله، يصل الرجل به رحمه، ويواسي به صديقه. قال الرجل: ليس عن هذا أسألك. قال: وعمّ سألتني؟ قال: أن يغني الرجل. قال: وكيف يغني؟ فجعل الرجل يلوي شدقيه وينفخ منخريه؛ قال الحسن: والله يابن أخي ما ظننت أنّ عاقلا يفعل هذا بنفسه أبدا! وإنّما أنكر عليه الحسن تشويه وجهه وتعويج فمه؛ وإن كان أنكر