«١» استحللت قتل الأطفال، وقد نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن قتلهم، وقال جل ثناؤه: وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى
«٢» وقال في القعد خيرا، وفضّل الله من جاهد عليهم، ولا يدفع منزلة أكثر الناس عملا منزلة من هو دونه.
إلا إذا اشتركا في أصل. أو ما سمعت قوله تبارك وتعالى: لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
«٣» فجعلهم الله من المؤمنين، وفضّل عليهم المجاهدين بأعمالهم. ورأيت من رأيك أن لا تؤدّي الأمانة إلى من يخالفك، والله يأمرك أن تؤدّي الأمانات إلى أهلها. فاتق الله وانظر لنفسك، واتق يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً
«٤» فإن الله بالمرصاد، وحكمه العدل. وقوله الفصل. والسلام.
[فكتب إليه نافع بن الأزرق:]
بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد، فقد أتاني كتابك تعظني فيه وتذكرني، وتنصح لي وتزجرني، وتصف ما كنت عليه من الحق، وما كنت أوثره من الصواب؛ وأنا أسأل الله أن يجعلني من الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه، وعبت عليّ ما دنت به من إكفار القعد، وقتل الأطفال، واستحلال الأمانة. وسأفسّر لك لم ذلك إن شاء الله: أما هؤلاء القعد فليسوا كمن ذكرت ممن كان بعهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم، لأنهم كانوا بمكة مقهورين محصورين، لا يجدون إلى الهرب سبيلا، ولا إلى الاتصال بالمسلمين طريقا؛ وهؤلاء قد فقهوا في الدين، وقرءوا القرآن، والطريق لهم نهج واضح. وقد عرفت ما يقول الله فيمن كان مثلهم، إذ قال: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها