محمد بن القاسم الهاشمي أبو العيناء، قال: كان أحمد بن يوسف الكاتب قد تولى صدقات البصرة، فجار فيها وظلم، فكثر الشاكي له والداعي عليه، ووافى باب أمير المؤمنين زهاء خمسين رجلا من جلة البصريين: فعزله المأمون، وجلس لهم مجلسا خاصا وأقام أحمد بن يوسف لمناظرتهم، فكان مما حفظ من كلامه أن قال:
يا أمير المؤمنين، لو أن أحدا ممن ولي الصدقات سلم من الناس لسلم رسول الله صلّى الله عليه وسلم، قال الله عز وجل: وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ
«١» .
فأعجب المأمون جوابه. واستجزل مقاله، وخلّى سبيله، محمد بن القاسم الهاشمي أبو العيناء قال: قال لي أبو عبد الله أحمد بن أبي داود:
دخلت على الواثق، فقال لي: ما زال قوم في ثلبك ونقصك! فقلت: يا أمير المؤمنين، لكلّ امريء منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولّى كبره منهم له عذاب عظيم، والله وليّ جزائه، وعقاب أمير المؤمنين من ورائه، وما ذل من كنت ناصره، ولا ضاع من كنت حافظه، فماذا قلت لهم يا أمير المؤمنين؟ قال: قلت أبا عبد الله.
وسعى إليّ بعيب عزّة معشر ... جعل الإله خدودهنّ نعالها
قال أبو العيناء: قلت لأحمد بن أبي داود: إن قوما تظافروا عليّ! قال: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ
«٢» قلت: إنهم عدد وأنا واحد! قال: كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً
«٣» قلت: إن للقوم مكرا! قال: وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ
«٤» .
قال أبو العيناء: فحدّثت بهذا الحديث أحمد بن يوسف الكاتب، فقال: ما يرى ابن أبي داود إلا أنّ القرآن أنزل عليه.