قال: فلم تأت على آخر الأبيات حتى خرّ الفتى مغشيا عليه؛ فقال يزيد للجارية:
انظري ما حاله! فقامت إليه فحرّكته، فإذا هو ميت! فقال لها: ابكيه! قالت لا أبكيه يا أمير المؤمنين وأنت حيّ! قال لها: ابكية، فو الله لو عاش ما انصرف إلا بك! فبكته، وأمر بالفتى فأحسن جهازه ودفنه.
[عبد الملك وابن جعفر في الغناء]
: قال: وحدّث أبو يوسف بالمدينة قال: حدّثنا إبراهيم بن المنذر الجذامي عن أبيه، أنّ عبد الله بن جعفر وفد على عبد الملك بن مروان، فأقام عنده حينا؛ فبينا هو ذات ليلة في سمره، إذ تذاكروا الغناء؛ فقال عبد الملك: قبح الله الغناء! ما أوضعه للمروءة، وأجرحه للعرض، وأهدمه للشّرف، وأذهبه للبهاء! وعبد الله ساكت، وإنما عرّض بعبد الله، وأعانه عليه من حضر من أصحابه- فقال عبد الملك: مالك أبا جعفر لا تتكلم؟ قال: ما أقول ولحمي يتمزع وعرضي يتمزق؟ قال: أما إني نبّئت أنك تغني! قال: أجل يا أمير المؤمنين، قال: أفّ لك وتفّ! قال: لا أفّ ولا تفّ، فقد تأتي أنت بما هو أعظم من ذلك، قال: وما هو؟ قال: يأتيك الأعرابي الجافي، يقول الزّور؛ ويقذف المحصنات؛ فتأمر له بألف دينار، وأشتري أنا الجارية الحسناء من مالي، فأختار لها من الشعر أجوده، ومن الكلام أحسنه، ثم تردّده عليّ بصوت حسن؛ فهل بذلك بأس؟ قال: لا بأس، ولكن أخبرني عن هذه الأغاني ما تصنع؟
قال: نعم، اشتريت جارية باثني عشر ألف درهم مطبوعة، فكان بديح وطويس يأتيانها فيطرحان عليها أغانيهما، فعلقت منهما حتى غلبت عليهما؛ فوصفت ليزيد بن معاوية، فكتب إليّ: إمّا أهديتها إليّ، وإمّا بعتها بحكمك. فكتبت إليه: إنها لا تخرج عن ملكي ببيع ولا هبة! فبذل لي فيها ما كنت أحسب أنّ نفسه لا تسخو به، فأبيت عليه.
فبينما هي عندي على تلك الحال، إذ ذكرت لي عجوز من عجائزنا أنّ فتى من