ثم ذكرت له الهدية التي أهداها إلى حسّان بن ثابت، فبعث إليه وقد كفّ بصره، فأتي به وقائد يقوده، فلما دخل قال: يا أمير المؤمنين، إني لأجد رياح آل جفنة عندك! قال: نعم. هذا رجل أقبل من عنده. قال: هات يا بن أخي إنه كريم من كرام مدحتهم في الجاهلية فحلف ألّا بلقى أحدا يعرفني إلا أهدى إليّ معه شيئا. فدفعت إليه الهدية. المال والثياب، وأخبرته بما كان أمر به في الإبل إن وجد ميتا. فقال:
وددت أني كنت ميتا فنحرت على قبري.
قال الزبير: وانصرف حسان وهو يقول:
إنّ ابن جفنة من بقيّة معشر ... لم تغذهم آباؤهم باللوم
لم ينسني بالشّام إذ هو ربّها ... ملكا ولا متنصرا بالرّوم
يعطي الجزيل ولا يراه عنده ... إلا كبعض عطيّة المذموم
فقال له رجل كان في مجلس عمر: أتذكر ملوكا كفرة أبادهم الله وأفناهم؟ قال:
ممن الرجل؟ قال: مزني. قال: أما والله لولا سوابق قومك مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لطوّقتك طوق الحمامة.
قال: ثم جهزني عمر إلى قيصر وأمرني أن أضمن لجبلة ما اشترط به.
قلما قدمت القسطنطينية وجدت الناس منصرفين من جنازته، فعلمت أن الشقاء غلب عليه في أمّ الكتاب.
[وفود الأحنف على عمر بن الخطاب رضي الله عنه]
المدائني قال: قدم الأحنف بن قيس التميمي على عمر بن الخطاب رضي الله عنه، في أهل البصرة وأهل الكوفة، فتكلموا عنده في أنفسهم وما ينوب كلّ واحد منهم، وتكلم الأحنف فقال:
يا أمير المؤمنين، إن مفاتيح الخير بيد الله، وقد أتتك وفود أهل العراق، وإنّ