حمد الله وأثنى عليه، ثم صلى على النبي صلّى الله عليه وسلم؛ وقال:
إن الدنيا قد تولّت [حذّاء مدبرة] ، وقد آذنت أهلها منها بصرم، وإنما بقي منها صبابة كصبابة الإناء يصطبّها صاحبها؛ ألا وإنكم مفارقوها لا محالة، ففارقوها بأحسن ما يحضركم؛ ألا إنّ من العجب أني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول:
«إن الحجر الضخم يرمى به في شفير جهنم فيهوي في النار سبعين خريفا، ولجهنّم سبعة أبواب، بين كل بابين منها مسيرة خمسمائة عام، وليأتين عليها ساعة وهي كظيظ «١» بالزحام» ؛ ولقد كنت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم سابع سبعة ما لنا طعام إلا ورق البشام، حتى قرحت أشداقنا؛ فوجدت أنا وسعد بن مالك تمرة فشققتها بيني وبينه نصفين، وما منا أحد اليوم إلا وهو أمير على مصر وإنه لم يكن نبوة قطّ إلا تناسخت «٢» ؛ وأنا أعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيما وفي أعين الناس صغيرا.
[خطب عمرو بن سعيد الأشدق]
لما عقد معاوية ليزيد البيعة، قام الناس يخطبون؛ فقال [معاوية] لعمرو بن سعيد: قم يا أبا أمية. فقام فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
أما بعد فإن يزيد بن معاوية أمل تأملونه، وأجل تأمنونه؛ إن استضفتم إلى حلمه وسعكم، وإن احتجتم إلى رأيه أرشدكم، وإن افتقرتم إلى ذات يده أغناكم؛ جذع «٣» قارح «٤» ، سوبق فسبق، وموجد فمجد، وقورع فقرع؛ فهو خلف أمير المؤمنين ولا خلف منه.