لا تقنعنّ ومطلب لك ممكن ... فإذا تضايقت المطالب فاقنع
ومما جبل عليه الحرّ الكريم ألّا يقنع من شرف الدنيا والآخرة بشيء مما انبسط له، أملا فيما هو أسنى منه درجة وأرفع منزلة؛ ولذلك قال عمر بن عبد العزيز لدكين الراجز: إنّ لي نفسا توّاقة؛ فإذا بلغك أني صرت إلى أشرف من منزلتي هذه؛ فبعين ما أرينّك. قال له ذلك وهو عامل المدينة لسليمان بن عبد الملك. فلما صارت إليه الخلافة قدم عليه دكين. فقال له: أنا كما أعلمتك أنّ لي نفسا توّاقة؛ وأنّ نفسي تاقت إلى أشرف منازل الدنيا فلما بلغتها وجدتها تتوق إلى أشرف منازل الآخرة.
ومن الشاهد لهذا المعنى، أنّ موسى صلوات الله عليه لما كلمه الله تكليما، سأله النظر إليه. إذ كان ذلك لو وصل إليه أشرف من المنزلة التي نالها، فانبسط أمله إلى ما لا سبيل إليه. ليستدل بذلك أنّ الحرّ الكريم لا يقنع بمنزلة إذا رأى ما هو أشرف منها.
ومن قولنا في هذا المعنى:
والحرّ لا يكتفي من نيل مكرمة ... حتى يروم التي من دونها العطب «١»
يسعى به أمل من دونه أجل ... إن كفّه رهب يستدعه رغب
لذاك ما سال موسى ربّه أرني ... أنظر إليك وفي تسآله عجب
يبغي التزيّد فيما نال من كرم ... وهو النجيّ لديه الوحي والكتب
وقال تأبّط شرّا في ابن عم له يصفه بركوب الأهوال وبذل الأموال:
وإني لمهد من ثنائي فقاصد ... به لابن عمّ الصّدق شمس بن مالك
أهزّ به في ندوة الحيّ عطفه ... كما هزّ عطفي بالهجان الأوارك «٢»