من حمل العلم واستعماله؛ فقليل العلم يستعمله العقل خير من كثيره يحفظه القلب.
قيل للمهلب: بم أدركت ما أدركت؟ قال: بالعلم. قيل له: فإنّ غيرك قد علم أكثر مما علمت ولم يدرك ما أدركت. قال: ذلك علم حمل وهذا علم استعمل.
وقد قالت الحكماء: العلم قائد والعقل سائق والنفس ذود؛ فإذا كان قائد بلا سائق هلكت، وإن كان سائق بلا قائد أخذت يمينا وشمالا، وإذا اجتمعا أنابت «١» طوعا أو كرها.
[فنون العلم]
قال سهل بن هارون وهو عند المأمون: من أصناف العلم ما لا ينبغي للمسلمين أن ينظروا فيه، وقد يرغب عن بعض العلم كما يرغب عن بعض الحلال.
فقال المأمون: قد يسمّي بعض الناس الشيء علما وليس بعلم، فإن كان هذا أردت فوجهه الذي ذكرت.
ولو قلت أيضا إن العلم لا يدرك غوره، ولا يسبر قعره، ولا تبلغ غايته، ولا تستقصى أصوله، ولا تنضبط أجزاؤه، صدقت؛ فإن كان الأمر كذلك فابدأ بالأهمّ فالأهم، والأوكد فالأوكد، وبالفرض قبل النّفل «٢» ، يكن ذلك عدلا قصدا ومذهبا جميلا.
وقد قال بعض الحكماء: لست أطلب العلم طمعا في غايته والوقوف على نهايته، ولكن التماس ما لا يسع جهله. فهذا وجه لما ذكرت.
وقال آخرون: علم الملوك النسب والخبر، وعلم أصحاب الحروب درس كتب الأيام والسّير، وعلم التجار الكتاب والحساب. فأما أن يسمّى الشيء علما وينهى عنه