ثم غزا إلى المارق الموتر عمرو بن حفصون، وهو بحصن قامرة فأحدق به بخيله ورجله، فلم يجد الفاسق منفذا ولا متنفّسا، فأعمل الحيلة، ولاذ بالمكر والخديعة، وأظهر الإنابة والإجابة، وأن يكون من مستوطني قرطبة بأهله وولده، وسأل إلحاق أولاده في الموالي: فأجابه الأمير إلى كل ما سأل، وكتب له الأمانات، وقطعت لأولاده الثياب، وخرزت له الخفاف؛ ثم سأل مائة بغل يحمل عليها ماله ومتاعه إلى قرطبة، فأمر الأمير بها، وطلبت البغال ومضت إلى ببشتر وعليها عشرة من العرفاء، وانحل العسكر عن الحصن بعض الانحلال، وعكف القاضي وجماعة من الفقهاء على تمام الصلح فيما حسبوا فلما رأى الفاسق الفرصة، انتهزها؛ ففسق ليلا وخرج، فلقى العرفاء بالبغال، فقتلهم وأخذ البغال، وعاد إلى سيرته الأولى؛ فعقد المنذر على نفسه عقدا أن لا أعطاه صلحا ولا عهدا إلا أن يلقى بيده، وينزل على عهده وحكمه، ثم غزاه الغزاة التي توفى فيها، فأمر بالبنيان والسكنى عليه. وأن يردّ سوق قرطبة عليه؛ فعاجله أجله عن ذلك.
[عبد الله بن محمد]
ثم تولى عبد الله بن محمد التقي النقي العابد الزاهد، التالي لكتاب الله، والقائم بحدود الله، يوم السبت لثلاث عشرة بقيت من صفر سنة خمس وسبعين ومائتين فبنى الساباط «١» ، وخرج إلى الجامع والتزم الصلاة إلى جانب المنبر حتى أتاه أجله رحمه الله يوم الثلاثاء لليلة بقيت من صفر سنة ثلاثمائة.
وكانت له غزوات، منها غزاة بلى، التي أنست كل غزاة تقدمتها، وذلك أن المرثد ابن حفصون ألّب عليه كور الأندلس، فنزل حصن بلى «٢» ، وخرج إليه الأمير عبد الله بن محمد في أربعة عشر ألفا من أهل قرطبة خاصة، وأربعة آلاف من حشمه ومواليه؛ فبرز إليه الفاسق وقد كردس كراديسه «٣» في سفح الجبل، وناهضه الأمير