الأصمعي قال: وقفت أعرابية فقالت: يا قوم، سنة جردت وأيد جمدت، وحال أجهدت؛ فهل من فاعل لخير، وآمر بمير؟ رحم الله من رحم، وأقرض من يقرض.
الأصمعي قال: أصابت الأعراب أعوام جدبة وشدة وجهد، فدخلت طائفة منهم البصرة وبين أيديهم أعرابي وهو يقول: أيها الناس، إخوانكم في الدين، وشركاؤكم في الإسلام، عابر وسبيل، وفلال «١» بؤس، وصرعى جدب، تتابعت علينا سنون ثلاثة، غيرت النّعم وأهلكت النّعم، فأكلنا ما بقي من جلودها فوق عظامها فلم نزل نعلل بذلك أنفسنا، ونمنّي بالغيث قلوبنا، حتى عاد محنا عظاما، وعاد إشراقنا ظلاما، وأقبلنا إليك يصرعنا الوعر، ويكننا السهل، وهذه آثار مصائبنا، لائحة في سماتنا، فرحم الله متصدقا من كثير، ومواسيا من قليل، فلقد عظمت الحاجة، وكسف البال وبلغ المجهود، والله يجزي المتصدقين.
الأصمعي قال: كنت في حلقة بالبصرة إذ وقف علينا أعرابي سائلا، فقال: أيها الناس، إن الفقر يهتك الحجاب، ويبرز الكعاب؛ وقد حملتنا سنو المصائب، ونكبات الدهور، على مركبها الوعر، فواسوا أبا أيتام، ونضو زمان، وطريد فاقة، وطريح هلكة، رحمكم الله.
أتى أعرابي عمر بن عبد العزيز فقال: رجل من أهل البادية، ساقته إليك الحاجة، وبلغت به الغاية، والله سائلك عن مقامي هذا. فقال عمر. ما سمعت أبلغ من قائل ولا أوعظ لمقول له من كلامك هذا.
سمع عدي بن حاتم رجلا من الأعراب وهو يقول: يا قوم، تصدقوا على شيخ معيل، وعابر سبيل، شهد له ظاهره، وسمع شكواه خالقه، بدنه مطلوب وثوبه