للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نظر إلى ما فيه القوم من التعبد والغزو والسرايا في كل يوم، التفت إلينا فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون على أعمار أفنيناها، وأيام وليال قد قطعناها في علم الشعر، وتركنا ههنا أبواب الجنة مفتوحة! قال: فبينما هو يمشي ونحن معه في أزقة المصيصة، إذا نحن بسكران قد رفع صوته يغني:

أذلني الهوى فأنا الذّليل ... وليس إلى الذي أهوى سبيل

فأخرج برنامجا من كمه، فكتب البيت؛ فقلنا له: أتكتب بيت شعر سمعته من سكران؟ قال: أما سمعتم المثل: ربّ جوهرة في مزبلة!.

[الاوقص المخزومي]

قال: وولي الأوقص المخزومي قضاء مكة، فما رؤي مثله في العفاف والنبل، فبينما هو نائم ذات ليلة في علّية له، إذ مر به سكران يتغنى ويلحن في غنائه، فأشرف المخزومي عليه، فقال: يا هذا، شربت حراما، وأيقظت نياما، وغنيت خطأ: خذه عني! فأصلحه عليه!.

وقال الاوقص المخزومي: قالت لي أمي: أي بنيّ، إنّك خلقت في صورة لا تصلح معها لمجامعة الفتيان في بيوت القيان، فعليك بالدين، فإن الله يرفع به الخسيسة ويتمّ به النقيصة، فنفعني الله بقولها.

[الشعبي وبشر]

وحدث عباس بن المفضل قاضي المدينة، قال: حدثني الزبير بن بكار قاضي مكة عن مصعب بن عبد الله قال: دخل الشعبي على بشر بن مروان وهو والي العراق لاخيه عبد الملك بن مروان، وعنده جارية في حجرها عود؛ فلما دخل الشعبي امرها فوضعت العود، فقال له الشعبي: لا ينبغي للامير ان يستحي من عبده. قال: صدقتم:

ثم قال للجارية: هاتي ما عندك. فأخذت العود وغنت:

ومما شجاني أنها يوم ودّعت ... تولت وماء العين في الجفن حائر