قال أبو عثمان بن بحر الجاحظ، أخبرني رجل من رؤساء التجار قال: كان معنا في السفينة شيخ شرس الأخلاق، طويل الإطراق، وكان إذا ذكر له الشيعة غضب واربد وجهه وزوى «١» من حاجبيه، فقلت له يوما: يرحمك الله، ما الذي تكرهه من الشيعة، فإني رأيتك إذا ذكروا غضبت وقبضت؟ قال: ما أكره منهم إلا هذه الشّين في أول اسمهم، فإني لم أجدها قطّ إلا في كل شرّ وشؤم وشيطان وشغب وشقاء وشنار «٢» وشرر وشين وشوك وشكوى وشهوة وشتم وشح. قال أبو عثمان: فما ثبت لشيعيّ بعدها قائمة.
[باب من كلام المتكلمين]
دخل الموبذ على هشام بن الحكم، والموبذ هو عالم الفرس، فقال له: يا هشام، حول الدنيا شيء؟ قال: لا. قال: فإن أخرجت يدي فثمّ شيء يردّها؟ قال هشام:
ليس ثمّ شيء يردّها ولا شيء تخرج يدك فيه. قال: فكيف أعلم هذا؟ قال له:
يا موبذ، أنا وأنت على طرف الدنيا، فقلت لك: يا موبذ، إني لا أرى شيئا. فقلت لي: ولم لا ترى؟ فقلت ليس ها هنا ظلام يمنعني. فقلت لي أنت: يا هشام، إني لا أرى شيئا. فقلت لك: ولم لا ترى؟ قلت: ليس ضياء أنظر به. فهل تكافأت الملّتان في التناقض؟ قال: نعم. قال: فإذا تكافأتا في التناقض لم تتكافآ في الإبطال أن ليس شيء؟ فأشار الموبذ بيده أن أصبت.
قال رجل لبعض ولاة بني العباس: أنا أجعل هشام بن الحكم أن يقول في علي رضي الله عنه إنه ظالم؛ فقال: إن فعلت ذلك فلك كذا وكذا. ثم أحضر هشام، فقال له: نشدتك الله أبا محمد، أما تعلم أن عليّا نازع العباس عند أبي بكر؟ قال: نعم.