وكان ليزيد ناقة محماة «١» ، في عنقها مدية وزنادة وصرّة ملح، وإنما كان يمتجن بها رعيته لينظر من يجترىء عليه، فوحمت امرأة الحارث فاشتهت شحما في وحمها، فانطلق الحارث إلى ناقة الملك فانتحرها، وأتاها بشحمها، وفقدت الناقة، فأرسل الملك إلى الحمس التغلبي وكان كاهنا، فسأله عن الناقة، فأخبره أن الحارث صاحبها، فهم الملك به، ثم تذمّم «٢» من ذلك، وأوجس الحارث في نفسه شرا فأتى الخمس التغلبي فقتله. فلما فعل ذلك دعا به الملك فأمر بقتله، فقال: أيها الملك إنك قد أجرتني فلا تغدرنّ بي! فقال الملك: لا ضير، إن غدرت بك مرة فقد غدرت بي مرارا! وأمر ابن الخمس فقتله، وأخذ ابن الخمس سيف الحارث فأتى به عكاظ في الاشهر الحرم، فأراه قيس بن زهير العبسي، فضربه قيس فقتله، وقال يرثي الحارث بن ظالم:
وما قصرت من حاضن ستر بيتها ... أبرّ وأوفى منك حار بن ظالم «٣»
اعزّ وأحمى عند جار وذمّة ... وأضرب في كاب من النّقع قاتم «٤»
[حرب داحس والغبراء: وهي من حروب قيس]
قال ابو عبيدة: حرب داحس والغبراء بين عبس وذبيان ابني بغيض بن ريث بن غطفان، وكان السبب الذي هاجها أن قيس بن زهير، وحمل بن بدر، تراهنا على داحس والغبراء أيهما يكون له السبق، وكان داحس فحلا لقيس بن زهير، والغبراء حجرا «٥» لحمل بن بدر، وتواضعا الرهان على مائة بعير، وجعلا منتهى الغاية مائة غلوة «٦» ، والإضمار «٧» أربعين ليلة، ثم قادوهما إلى رأس الميدان بعد أن أضمروهما