أيها الناس، إن هذا الأمر كان النظر فيه إلى علي والرضا إلى غيره، فجئتم إلى عبد الله بن قيس مبرنسا فقلتم، لا نرضى إلا به. وايم الله ما استفدنا به علما، ولا انتظرنا منه غائبا، وما نعرفه صاحبا، وما أفسدا بما فعلا أهل العراق، وما أصلحا أهل الشام، ولا رفعا حقّ علي، ولا وضعا باطل معاوية، ولا يذهب الحقّ رقية «١» راق، ولا نفخة شيطان، ونحن اليوم على ما كنا عليه أمس.
احتجاج عليّ على أهل النهروان
قالوا: إن عليا لما اختلف عليه أهل النهروان والقرى وأصحاب البرانس، ونزلوا قرية يقال لها حروراء، وذلك بعد وقعة الجمل، فرجع إليهم علي بن أبي طالب فقال لهم: يا هؤلاء، من زعيمكم؟ قالوا: ابن الكواء. قال: فليبرز إلي. فخرج إليه ابن الكواء، فقال له عليّ: يا بن الكواء، ما أخرجكم علينا بعد رضاكم بالحكمين، ومقامكم بالكوفة؟ قال: قاتلت بنا عدواّ لا نشك في جهاده، فزعمت أن قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار، فبينما نحن كذلك، إذ أرسلت منافقا، وحكّمت كافرا، وكان مما شكك في أمر الله أن قلت للقوم حين دعوتهم: كتاب الله بيني وبينكم، فإن قضى عليّ بايعتكم، وإن قضى عليكم بايعتموني. فلولا شكّك لم تفعل هذا والحقّ في يدك. فقال عليّ: يا بن الكواء، إنما الجواب بعد الفراغ؛ أفرغت فأجيبك؟ قال: نعم. قال علي: أما قتالك معي عدّوا لا تشك في جهاده فصدقت، ولو شككت فيهم لم أقاتلهم؛ وأما قتلانا وقتلاهم، فقد قال الله في ذلك ما يستغنى به عن قولي؛ وأما إرسالي المنافق وتحكيمي الكافر، فأنت أرسلت أبا موسى مبرنسا، ومعاوية حكّم عمرا، أتيت بأبي موسى مبرنسا، فقلت: لا نرضى إلا أبا موسى! فهلا قام إلى رجل منكم فقال: يا علي، لا تعط هذه الدنية فإنها ضلالة؟ وأما قولي لمعاوية: إن جرّني إليك كتاب الله تبعتك، وإن جرك إليّ تبعتني؛ زعمت أني لم أعط ذلك إلا من شك، فقد علمت أن أوثق ما في يديك هذا الأمر، فحدّثني ويحك عن