ومن جوده أيضا أنه أتاه سائل وهو لا يعرفه فقال له: تصدّق، فإني نبّئت أن عبيد الله بن عباس أعطى سائلا ألف درهم واعتذر إليه! فقال له: وأين أنا من عبيد الله؟ قال أين أنت منه في الحسب أم كثرة المال؟ قال: فيهما. قال: أما الحسب في الرجل فمروءته وفعله، وإذا شئت فعلت، وإذا فعلت كنت حسيبا. فأعطاه ألفي درهم واعتذر له من ضيق الحال: فقال له السائل: إن لم تكن عبيد الله بن عباس فأنت خير منه، وإن كنت هو فأنت اليوم خير منك أمس. فأعطاه ألفا أخرى.
فقال السائل: هذه هزة كريم حسيب، والله لقد نقرت «١» حبة قلبي فأفرغتها في قلبك، فما أخطأت إلا باعتراض الشك بين جوانحي.
ومن جوده أيضا: أنه جاءه رجل من الأنصار فقال: يا بن عم رسول الله، إنه ولد لي في هذه الليلة مولود، وإني سمّيته باسمك تبرّكا مني به، وإن أمه ماتت. فقال عبيد الله: بارك الله لك في الهبة، وأجزل لك الأجر على المصيبة. ثم دعا بوكيله فقال: انطلق الساعة فاشتر للمولود جارية تحضنه، وادفع إليه مائتي دينار للنفقة على تربيته. ثم قال للأنصاري. عد إلينا بعد أيام، فإنك جئتنا وفي العيش يبس وفي المال قلّة. قال الأنصاري: لو سبقت حاتما بيوم واحد ما ذكرته العرب أبدا، ولكنه سبقك فصرت له تاليا، وأنا أشهد أنّ عفوك أكثر من مجهوده، وطلّ كرمك أكثر من وابله.
[جود عبد الله بن جعفر]
ومن جود عبد الله بن جعفر أن عبد الرحمن بن أبي عمّار دخل على نخّاس يعرض قيانا له؛ فعلق واحدة منهن، فشهر بذكرها حتى مشى إليه عطاء وطاووس ومجاهد يعذلونه، فكان جوابه أن قال:
يلومني فيك أقوام أجالسهم ... فما أبالي أطار الّلوم أم وقعا