عبيد الله بن عمر الغساني عن الشعبي، قال: كتب معاوية إلى واليه بالكوفة أن يحمل إليه أمّ الخير بنت الحريش بن سراقة البارقي برحلها، وأعلمه أنه مجازيه بالخير خيرا وبالشر شراّ بقولها فيه، فلما ورد عليه كتابه ركب إليها فأقرأها كتابه؛ فقالت: أما أنا فغير زائغة عن طاعة، ولا معتّلة بكذب، ولقد كنت أحبّ لقاء أمير المؤمنين لأمور تختلج في صدري.
فلما شيّعها وأراد مفارقتها قال لها: يا أم الخير، إن أمير المؤمنين كتب إليّ أنه مجازيني بالخير خيرا وبالشر شرا؛ فمالي عندك؟ قالت: يا هذا لا يطمعنك برّك بي أن أسرك بباطل. ولا تؤيسك معرفتي بك أن أقول فيك غير الحق.
فسارت خير مسير حتى قدمت على معاوية. فأنزلها مع الحرم؛ ثم أدخلها في اليوم الرابع وعنده جلساؤه؛ فقالت: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته.
فقال لها: وعليك السلام يا أم الخير، بحقّ ما دعوتني بهذا الاسم. قالت: يا أمير المؤمنين، مه، فإن بديهة السلطان مدحضة لما يحب علمه، ولكلّ أجل كتاب. قال:
صدقت! فكيف حالك يا خالة؟ وكيف كنت في مسيرك؟ قالت: لم أزل يا أمير المؤمنين في خير وعافية حتى صرت إليك؛ فأنا في مجلس أنيق، عند ملك رفيق. قال معاوية: بحسن نيتي ظفرت بكم. قالت: يا أمير المؤمنين، يعيذك الله من دحض المقال وما تردي عاقبته. قال: ليس هذا أردنا. أخبرينا كيف كان كلامك إذ قتل عمار بن ياسر؟ قالت: لم أكن زوّرته «١» قبل، ولا روّيته بعد؛ وإنما كانت كلمات نفثها لساني عند الصدمة؛ فإن أحببت أن أحدث لك مقالا غير ذلك فعلت. فالتفت معاوية إلى جلسائه فقال: أبكم يحفظ كلامها؟ فقال رجل منهم: أنا أحفظ بعض كلامها يا أمير المؤمنين. قال: هات. قال: كأني بها وعليها برد زبيديّ كثيف بين النسيج، وهي على جمل أرمك «٢» وقد أحيط حولها، وبيدها سوط منتشر الضفيرة، وهي كالفحل يهدر في شقشقته «٣» ، تقول: