يا أيّها النّاس اتّقوا ربّكم، إنّ زلزلة السّاعة شيء عظيم! إن الله قد أوضح لكم الحق، وأبان الدليل، وبين السبيل، ورفع العلم، ولم يدعكم في عماء مدلهمة: فأين تريدون رحمكم الله؟ أفرارا عن أمير المؤمنين، أو فرارا من الزحف، أم رغبة عن الإسلام، أم ارتدادا عن الحق؟ أما سمعتم الله جل ثناؤه يقول: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ
«١» .
ثم رفعت رأسها إلى السماء وهي تقول: اللهم قد عيل الصبر، وضعف اليقين، وانتشرت الرعبة، وبيدك يا ربّ أزمّة القلوب، فاجمع اللهم بها الكلمة على التقوى، وألف القلوب على الهدى، واردد الحق إلى أهله. هلمّوا رحمكم الله إلى الإمام العادل والرضيّ التقيّ، والصديق الأكبر؛ إنها إحن بدرية، وأحقاد جاهلية، وضغائن أحدية وثب بها واثب حين الغفلة، ليدرك ثارات بني عبد شمس.
ثم قالت: فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ
«٢» . صبرا يا معشر المهاجرين والأنصار، قاتلوا على بصيرة من ربكم، وثبات من دينكم؛ فكأني بكم غدا ولقد لقيتم أهل الشام كحمر مستنفرة، فرّت من قسورة «٣» ، لا تدري أين يسلك بها من فجاج الأرض، باعوا الآخرة بالدنيا، واشتروا الضلالة بالهدى وباعوا البصيرة بالعمى وعما قليل ليصبحنّ نادمين، حتى تحلّ بهم الندامة فيطلبون الإقالة، ولات حين مناص. إنه من ضلّ والله عن الحق وقع في الباطل. ألا إن أولياء الله استصغروا عمر الدنيا فرفضوها، واستطابوا الآخرة فسعوا لها فالله الله أيها الناس، قبل أن تبطل الحقوق، وتعطّل الحدود، ويظهر الظالمون، وتقوى كلمة الشيطان؛ فإلى أين تريدون رحمكم الله عن ابن عم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصهره وأبي سبطيه، خلق من طينته، وتقرّع من نبعته «٤» ، وخصّه بسرّه، وجعله باب مدينته، وأعلم بحبه المسلمين، وأبان ببغضه المنافقين؛ ها هو ذا مفلق الهام، ومكسّر الأصنام؛ صلى