والناس مشركون، وأطاع والناس كارهون، فلم يزل في ذلك حتى قتل مبارزي بدر، وأفنى أهل أحد، وهزم الأحزاب، وقتل الله به أهل خيبر، وفرّق به جمع هوازن؛ فيالها من وقائع زرعت في قلوب نفاقا، وردّة وشقاقا، وزادت المؤمنين إيمانا، وقد اجتهدت في القول؛ وبالغت في النصيحة، وبالله التوفيق، والسلام عليكم ورحمة الله.
فقال معاوية: يا أم الخير، ما أردت بهذا الكلام الا قتلي، ولو قتلتك ما حرجت في ذلك.
قالت: والله ما يسوءني أن يجري قتلي علي يدي من يسعدني الله بشقائه.
قال:: هيهات يا كثيرة الفضول. ما تقولين في عثمان بن عفان رحمه الله؟
قالت: وما عسيت أن أقول في عثمان، استخلفه الناس وهم به راضون، وقتلوه وهم له كارهون.
قال معاوية: يا أم الخير؛ هذا أصلك الذي تبنين «١» .
قالت: لكن الله يشهد وكفى بالله شهيدا؛ ما أردت بعثمان نقصا، ولكن كان سابقا إلى الخير، وإنه لرفيع الدرجة غدا.
قال: فما تقولين في طلحة بن عبيد الله؟ قالت: وما عسى أن أقول في طلحة؟
اغتيل من مأمنه، وأتي من حيث لم يحذر، وقد وعده رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الجنة.
قال: فما تقولين في الزبير؟ قالت: وما أقول في ابن عمة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وحواريّه، وقد شهد له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالجنة، وقد كان سبّاقا إلى كل مكرمة في الإسلام، وأنا أسألك بحق الله يا معاوية، فإنّ قريشا تحدّثت أنك أحلمها: أن تسعني بفضل حلمك، وأن تعفيني من هذه المسائل، وتسألني عما شئت من غيرها.
قال نعم ونعمة عين، قد أعفيتك منها. ثم أمر لها بجائزة رفيعة وردّها مكرمة.