بقتله، فلما عرض عليه السيف قال: لو أمرت لي يا أمير المؤمنين بشربة من ماء، فهو خير من قتلي على الظمأ. فأمر له بها؛ فلما صار الإناء بيده قال: أنا آمن حتى أشرب؟
قال: نعم. فألقى الإناء من يده وقال: الوفاء يا أمير المؤمنين نور أبلج. قال: لك التوقّف حتى أنظر في أمرك، ارفعا عنه السيف. فلما رفع عنه قال: الآن أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمدا عبده ورسوله. فقال له عمر: ويحك! أسلمت خير إسلام، فما أخّرك؟ قال: خشيت يا أمير المؤمنين أن يقال إن إسلامي إنما كان جزعا من الموت. فقال عمر: إن لفارس حلوما بها استحقّت ما كانت فيه من الملك. ثم كان عمر يشاوره بعد ذلك في إخراج الجيوش إلى أرض فارس ويعمل برأيه.
[الحجاج وبعض من أسر مع ابن الأشعث:]
لما أتي الحجاج بالأسرى الذين خرجوا مع ابن الأشعث، أمر بقتلهم؛ فقال رجل أصلح الله الأمير، إن لي حرمة. قال: وما هي؟ قال: ذكرت في عسكر ابن الأشعث فشتمت في أبويك، فعرضت دونهما؛ فقلت: لا والله ما في نسبه مطعن، فقولوا فيه ودعوا نسبه. قال ومن يعلم ما ذكرت؟ [قال] فالتفتّ إلى أقرب الأسرى إليّ فقلت: هذا يعلمه. قال له الحجاج: ما تقول فيما يقول؟ قال: صدق- أصلح الله الأمير- وبرّ. قال: خليا عن هذا لنصرته، وعن هذا لحفظ شهادته.
[روح بن حاتم وبعض المتلصصين:]
عمرو بن بحر الجاحظ قال: أتي روح بن حاتم برجل كان متلصّصا في طريق الرّقاق، فأمر بقتله؛ فقال: أصلح الله الأمير، لي عندك يد بيضاء. قال: وما هي؟
قال: إنك جئت يوما إلى مجمع موالينا بني نهشل والمجلس محتفل، فلم يتحفّز لك أحد فقمت من مكاني حتى جلست فيه، ولولا محض كرمك، وشرف قدرك.
ونباهة أوّليّتك، ما ذكّرتك هذه عند مثل هذا. قال ابن حاتم: صدق، وأمر بإطلاقه وولاه تلك الناحية وضمّنه إياها.