فخرج بهم إلى النّهروان، فأوقع بهم عليّ، فقتل منهم ألفين وثمانمائة، وكانّ عددهم ستة آلاف. وكان منهم بالكوفة زهاء ألفين ممن يسرّ أمره؛ فخرج منهم رجل بعد أن قال علي رضي الله عنه: ارجعوا وادفعوا إلينا قاتل عبد الله ابن خبّاب. قالوا: كلنا قتله وشرك في دمه.
وذلك أنهم لما خرجوا إلى النهروان لقوا مسلما ونصرانيا، فقتلوا المسلم وأوصوا بالنّصراني خيرا، وقالوا: احفظوا ذمّة نبيكم. ولقوا عبد الله ابن خبّاب، وفي عنقه المصحف ومعه امرأته وهي حامل، فقالوا: إن هذا الذي في عنقك يأمرنا بقتلك.
فقال لهم: أحيوا ما أحيا القرآن، وأميتوا ما أمام القرآن. قالوا: حدّثنا عن أبيك.
قال: حدثني أبي قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: تكون فتنة يموت فيها قلب الرجل كما يموت بدنه، يمسي مؤمنا ويصبح كافرا، فكن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل. قالوا: فما تقول في أبي بكر وعمر؟ فأثنى خيرا، قالوا: فما تقول في الحكومة والتحكيم؟ قال: أقول إن عليا أعلم بالله منكم وأشدّ توقّيا على دينه وأبعد بصيرة. قالوا: إنك لست تتبع الهدى، بل الرجال على أسمائها. ثم قرّبوه إلى شاطيء البحر فذبحوه، فامذقرّ دمه- أي جرى مستقيما على دفة- وساموا «١» رجلا نصرانيا بنخلة- فقال: هي لكم هبة. قالوا: ما كنا نأخذها إلا بثمن. فقال: ما أعجب هذا! أتقتلون مثل عبد الله بن خبّاب ولا تقبلون منا جنى نخلة إلا بثمن.
[فرقهم:]
ثم افترقت الخوارج على أربعة أضرب: الإباضية، أصحاب عبد الله بن إباض والصّفرية واختلفوا في تسميتهم. فقال قوم: سمّوا بابن الصفّار. وقال قوم: نهكتهم العبادة فاصفرّت وجوههم. ومنهم البيهسية: وهم أصحاب ابن بيهس. ومنهم الأزارقة، أصحاب نافع بن الأزرق الحنفي، وكانوا قبل على رأي واحد لا يختلفون إلّا في الشيء الشاذ.